2024/05/02 -
أيام على النشر

أيقونات العشق والقيم : آراء وأصداء .. الأعمال الشعرية لتوفيق أحمد...بقلم الإعلامي سعدالله بركات

أيقونات العشق والقيم : آراء وأصداء .. الأعمال الشعرية لتوفيق أحمد...بقلم الإعلامي سعدالله بركات

في بيئة العمل الواسعة ،  ليس سهلا  نسج الصداقات ،  لكثرة الخيارات وتشابك المصالح، فكيف في ،،مهنة صاحبة الجلالة والمتاعب، والصحافة  والإذاعة والتلفزيون عنيت ، حيث الطموح والتنافس على أشدّه، ربّما السائد خصومة الكار، حتى لا نقول عداواته، لكن ثمّة صداقات الكار أيضا ، يعلوها ما ينتج عنها من صداقة متينة غيريّة ودائمة.

على مدى سنوات عملي  لنحو 4 عقود  في أهم وأكبر مؤسسة إعلامية  ، عايشت عديد النماذج ، ولكن الأخيرة هي الأثيرة  ،وقد كسبت عديدها ، بل ومديدها  لما بعد التقاعد  وبحمد الله ..

أواسط ثمانينات القرن العشرين ، رفدت الإذاعة بثلّة متميزة من شباب وشابات ، كان  توفيق أحمد ، ممن يلفتك بهدوئه وابتسامته ،بل بطرافة حديثه ، من غير أن تفسد جديّته ، كما يلفتك بثقافته ولغته البعيدة عن العاميّة ، لايشغلك بتدقيق نشرة الأخبار وتشكيلها  ،بل تطمئنّ  ، حين تكون بين يديه ، ظلّت علاقة العمل الودودة ،  تحكم تعارفنا حتى إذا ما انتقلنا إلى التلفزيون ، ارتقت  إلى تعاون في غير مجال  ، سيّما بعدما تدرّج أبو ساري في مهامه الإدارية ، والمنصب محكّ العلاقات ،ظلّ على  وضوحه ، تعزّزت ثقة ، وتكاملت آراء ورؤى ، بأريحيّة الارتقاء بالمهنة والأداء ، وبكثير من دلالات الغيرية  أو الوفاء  ، ربّما أصابت غيري أكثر .

 كنت أحار بهذه الروح الصافية ، حتى رحت أتلقّف هداياه الشعرية ، من ،،أكسر الوقت وأمشي ،، لو تعرفين وووو….،،..لأقف على رهافة المشاعر ، وصدق الأحاسيس ، كنت أتذوّق قصائده  وغيرها  ،كنوع من ترفيه النفس المتعبة من من تلاحق الأحداث   ،  عملا في مطبخ الأخبار ،أو قراءات وكتابات .

أمّا، وقد اتجهت نحو الأدب  أحيانا ، تخفّفا  من وجع غربة  ومآسي حرب وكورونا ، ها أنا أعود لنتاج يراع ،،الأحمد،، المبدع  ، بعدما راكمه وصقلته أصداء واسعة  ،   لأختزل  تذوّقي  وبعض النقّاد  بصفحات ، أفردها أمام القراء الأعزّاء .

حسنا فعل شاعرنا  بجمع نتاجه في منجز واحد،، الأعمال الشعرية ،،صدرت  عن  الهيئة العامة السورية للكتاب ب 3 طبعات 2014-2021 ، ضمت على مدى 550 صفحة  8 مجموعات لنتاجه عبر نحو 30 عاما ، منذ صدور أولاها  1988  ، وبعض قصائدها يعود الى 1982 ( أكسر الوقت  وأمشي ،  لوتعرفين، نشيد لم يكتمل، لا هدنة للماء، جبال الريح، حرير للفضاء العاري و حنين الحبر ، المانيا  2015)، وقد قدّمها الناقد التونسي د.حاتم الفنطاسي بقوله: (( نَعَمْ «سُنَّتي النثرُ وفَتوايَ الشِّعرُ! »: صوتٌ تترددُ أصداؤهُ في (الأعمال الشعرية) لتوفيق أحمد ، تردّداً يتراوح بين الظهور والضمور، مرةً هسيساً ليّناً أو غمغمةً ، ومرةً أخرى صدى ووقْعا جسوراً. هكذا فهمتُ شخصيةَ القابع بعيداً، هناك في أقبية النص، بل أمسكتُ ما أَزْعَمُ أنه قانونُ الكتابة أو محورها الدوّار. ….في شعر توفيق أحمد وعي حاد بالانتماء ، ووشائج شتى تجعل الأُمَّ والأَمَة والأرض، أمّنا الرؤوم، تتماهى أو تتبادل الأدوار مع المرأة / الأنثى رمزاً للحياة والخصوبة والنبض الحي)).

وأحسب أنّ وعي الانتماء هذا ، يجعله  شاعررسالة  وقيم متكاملة ، وطنية ، جمالية واجتماعية  ، سداها ، حلم ، فرح ، والحبّ بكل تلويناته ، ولحمتها موسيقا الحياة وإيقاعاتها  من هموم ونجاحات وآمال  وقلق تفاؤل محفّز .

منذ بدايات قريضه ،، أكسر الوقت  وأمشي ،، ص 8-49 كسر أبو ساري عنه قيود القصيد والحياة  ، كيف لا  و((الكتابة الشعرية ، انعتاق من ربقة الواقع ،..وجدليّاته ،إلى فتنة التخيّل ، ولعبة المكاشفة المدلولية ،التي تسعى إلى تظهير الرؤية الجمالية ،…والانعتاق من سلطة الواقع …لحظة العبور إلى الأفق الإبداعي)) كما يقول د. عصام شرتح في كتابه ،، فضاء المتخيل الشعري  ،، حين تحدّث عن تجربة ،،أحمد ،، الشعرية ، وعبر هذا الفضاء ،حلّق شاعرنا   بطموح جامح ، بآفاق وطن ومن ضيعته انطلق:

،،ضيعتي يا لهيبا من الرفض في العمق

ياخطوطا  من الوحل تنساب في الجلد

تغفو على جسد رافل بالبروق ،،..ص 10

لا ينشد شاعرنا للوطن تكلّفا  أو عمدا ، بل تتشرّب  حروفه الوطن بكل جزئياته ومسميّاتها ، لتفوح أزاهير ، من قصيدة هنا ، وعبارة هناك ، عبر صورة أو معنى وقيمة هنالك  ، على ما أسلف  الفنطاسي ، تراه ينده في قصيدة تشكيل ص 408، إلى صديقه الفلسطيني صالح هواري:

((لاتكسر الناي كن صوتاً ورجع صدى          لجدول كان يوما يعشق البلدا 

  واكتب دمشق على ضلع الخليل تجد.            قلبين ضاعا ببال القدس فاتحدا».

ولدمشق زهور  قصائد عدة ، فضلا على ما يرد في ثنايا قصائد أخر ، تراه لا يحتفي  بالجغرافية  والأمكنة فقط ، بل بالرموزِ أيضا ، فهو موقن : (( أنّ انتماء الشاعر للأمكنة هو تجذّر بالوطن، بكل ما فيه من أقمار وسهول ووديان، المكسوة بأثواب لغوية وشّعرية )):

،،عندما لاحت لعينيَّ (منى)

كنتُ كالطفل أحبُ السوسنا

كَبرتْ في داخلي حتى إذا

وطني صارتْ عشقتُ الوطنا،، ص80

وهذا ما رصده مقدّم (الأعمال الشعرية)  د. الفنطاسي : ((قصائدُ المدن والبلدان … احتفَتْ بالمكان، برمزٍ فيه أو بقيمةٍ تحققَتْ في فضائهِ ، أو أمرٍ طَبَعَ تاريخَهُ أو …، لَفَحَ الشّاعرَ وهجُهُ:

. "يكاد من آلامِهِ "يَطُقُّ" / لأنها نَأَتْ .. /لأنها نَأَتْ عن روحها دمشقُ ../ خذيني لعينيك بغدادُ/ …. نخيلُكَ هذا الحزينُ استحمّتْ دمشقُ بهِ…../ دمشقُ على فرسِ الحبِّ جاءَتْ/ على شَعرها وردةٌ/ في يديها حريقٌ/ وفي راحتيها نسيمٌ أرقُّ/ إذاً فافتحي القلبَ بغدادُ/ رُدّي عليكِ عباءتَها/ أنتِ يا شامُ بغدادُ/ بغدادُ أنتِ دمشقُ".

ويرى الباحث أوس داوود يعقوب ، أنّ أسماء المدن في قصائد أحمد :(( ليست إلا تنويعات على حالات نفسيةٍ تنهضُ بوظيفةِ "التّصعيد" الوجداني ، والفكري والحضاري ، ليست إلا تسمياتٍ لمكان رئيس هو (بلدتي) ص 355:

"هي جزءُ هذا الكُلِّ/ رُدّوا دمعها المنثالَ خلف تلالها…./ هي بلدتي/ من شمسها اشتقّ المدى طيرانَهُ/ في إصبعيها خاتمانِ: نصاعةُ العقل المبلل بالندى/ وتَزاحُمُ الدنيا على يدها شُعَلْ". هي الحبيبةُ.../والحقيقةُ.../ والحديقةُ.../ والندى.../ هي سيفُ ملحمتي... وعرشُ قصيدتي".

 وحسب أوس ،الشّعرُ عند توفيق أحمد:(( مساحة لترجمة البوح …، وفرصة لتنشد اللغة حريتها … ، و الشّعرُ عنده أيضاً تتويج ،لأقصى ما يريده الشعور من الكلمات ، …. وفي قصائده فسحة لتنفس هواء نقي،  هواء اللغة وهي تلبس رداء الشعر ومعانيه ..))

الناقد أحمد عساف، توقف عند أشكال التعبير الشعري لدى الشاعر وهو يتنقّل  بموهبة  : (( من قصيدة الشطرين، إلى قصيدة التفعيلة فقصيدة النثر..)) مشيرا إلى مثالين :

1-«ماذا تركت لعاشق تعب - غير احتمال التيه واللّهب

 قلبي شروط العشق يعرفها - فمتى إذا شوقي يغرر بي

 شفتان أعرف أنّ خمرهما - يحتاج أحياناً إلى عنبي».

2-«لو كنت بائع حلوى - لأطعمت حبيبتي قطعة من الكعك...المعجون بالسكر والسمسم - الذي تصنعه حوانيت دمشق...لو كنت خمّاراً لسقيت المرأة التي لا تحبني...عشرين كأساً من البيرة»

 لكنّ  د. غسان غنيم  يرى الشاعر:(( متفوّقا في قصيدة الشطرين ،مع امتلاكه  نواصي الكتابة الشعرية بأنماطها المتعددة،  قصيدة الشطرين والتفعيلة، مع تجريب خجول بقصيدة النثر)).

ويضيف عساف :(( إنّ الشاعر  استطاع أن يوظف لغة شعرية مبتكرة، سلسلة وأخّاذة …، إنّها بصمته الخاصة وصوته الشعري ..الحامل لقضية إنسانية ، وحزن خصيب ، وبوح يشبه بوح ملاك المحبّة على أرض )) وهو القائل :

«قمر ونصف زجاجة وكتاب - أنا بالذي أحياه لا أرتاب - في كل زاوية لديّ حكاية - وسؤال عشق غاضب وجواب»

لقد واكب النقاد الطبعات الثلاث ل،، الأعمال الشعرية ،، بقراءات معمّقة  ، ودراسات انتظم بعضها  في رسائل ماجستير ، وأغلبها  في 6 كتب  :

1 - ،،فارس وتخوم ،، لمؤلفه مرهف زينو،[مراجعة وتدقيق عمر جمعة]  ، طبع مرة  رابعة - دار بعل  2023  ، وضمّ نحو 70 دراسة لنقاد عرب وسوريين ،فيما ضمت الطبعة الثانية  31 دراسة ورأي ، أضيف لها 18 شهادة في ط  3  [ 430 صفحة ]صيغت 6 منها شعرا ، لأدباء من غير بلد عربي ، منهم  د. مها خيربك ناصر - لبنان ،  د. عبد العزيز السيد احمد - السودان  ، د. راشد عيسى - الأردن  وحميد الشامي - اليمن ، فضلا عمّن استشهدنا  بآرائهم  ،  وقد أكّدوا  حضور توفيق أحمد على الساحة الأدبية ،عبر موهبة جمعت  بين الأصالة والمعاصرة بأسلوب رشيق ما بين العفوية والخيال .

 وفي مقدمة كتابه ، يقول مرهف زينو :(( إن الشاعر أحمد ، استطاع أن يحفر اسمه بقوة ضمن خارطة الشعر السوري الحديث في بعديه الزمني والإبداعي ، وتجربته  تمثّل نزوعاً دائماً إلى التجريب والتجديد في بنية القصيدة وبنيانها, وتسير وفق مسار صاعد … ، متكئة على الموروث الثر للشعر العربي،  ساعية للنهوض نحو اكتشاف تخوم وذرا جديدة في فضاء القصيدة وجذورها)).‏

 د. محمد رضوان الداية ، رأى أنَّ الشاعر ((ممدود اليد والذوق والاطلاع اللغوي.. إلى أدوات العمل الشعري)) فيما وقف الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين، على مطلع قصيدة لتوفيق أحمد: ،،قالت: أتولد في الحرام قصيدةٌ/‏‏ قلنا: نعم وتفوق كل حلال ،، فرأى ((أنَّ هذا المزيج الشعري من عناصر تظهر.. متباينة، ولكن الشاعر يصهر ما بينها ويقرِّب ويمد جسور اللغة والأسئلة )).

وحسب  الناقد المصري د. محمود الضبع: «...ليست القصيدة عند توفيق أحمد رفاها ولكنها…..  وسيلة للكشف عن مكنونات النفس البشرية، متمثلة في الإنسان المعاصر المرتبط بإرثه العربي و واقعه الآني و وعيه بالمستقبل يحكمه في ذلك ..، القلق المستمر والتوتر المؤسس لشعرية تعيد إلينا مشاعرنا التائهة»

وشهادات الكتاب حسب الشاعر والناقد رضوان هلال فلاحة :((تنمّ…. على تباينها وتنوّعها عن شاعر تمكّن من خلق مساحة حوارية  ،أحدثتها الهالة الإبداعية .. التي كتبت بلغتها التعبيرية قصائد في الذات النقدية و المتذوّقة والمتلقيّة … )).

الكاتبة نبوغ أسعد نوّهت بمقاربات ،، فارس وتخوم،، :(( لمسيرة الشاعر أحمد الإبداعية التي اتسمت بحضور موهبة غنية بتنوع الثقافات والعلاقات الاجتماعية )).

تراه يوقظ سجايا ،،يسوع ،، في قصيدة خاصة 497 فيقول :

،، نراك من عدسة وجداننا

قم وانتهز الريح وأنواءها

لا طريق لنا إلى بيت لحم والناصرة

نشقّ اليوم طريقنا نحوك

….

أيها السلطان المدهش والشافي الأعلى

لنصبح أجدر بالسقيا لأشجار الحياة  ،،

2-  ،،الصورة الشعرية  عند توفيق أحمد ،، لفتت د. الناقد عبدالله الشاهر،  فاختارها  نموذجا في كتاب نقدي صدر عن داريّ صفحات و فلسطينا الشجرة للنشر+ دار افكار 2017 ،  ذهب فيه إلى أنّ الشاعر ،أثبت وجوده على الساحة الأدبية والثقافية المعاصرة واستطاع أن يشكل حالة حديثة ....فصار (( صاحب تجربة ، أبرز سماتها  الصورة الشعرية ، فهي عنده أهم مفاتيح النصّ ، لها خصوصيتها  وقدرتها على الإيحاء..))  بل رآها الشاهر محمولة على  إيقاع شعري في موسيقا النص ، من حيث الوزن والقافية والإيقاع الداخلي والخارجي ..  .

 وفي حوار مع جريدة   ،،عالم الثقافة،،  اختزل  الشاهر رأيه  : ((. توفيق أحمد شاعر يضعك في متاهة من الصور.. والرموز والأفكار، ليبني لك عالماً من الحلم والألم.. من الأمل والحبّ والخيال ، لتجد نفسك أسير مناظر شاسعة من الطبيعة والجمال والفكر والأنوثة والمعاناة ، وربّما المأساة والحنين .. عالمه الشعري  متداخل ،فأ فرز شلاّلات من الصور مُمَوْسَقةً تُناغِمُ حركةَ الحياة  ، وهو  يَنْزَعُ دائماً إلى التفرُّدِ والتمرُّدِ والتَّجددِ على  وداعتِهِ وهدوئِهِ)).

 

3 - ،، توفيق أحمد ..البحث عن أفق ،، لمؤلّفه محمد جمعة حمادة - دار آرام 2016

4- ،،حارس الحبق ،،- الهيئة السورية للكتاب 2017  ، لعلّ قصيدة ،،أميرة الحبق و العشق،، لتوفيق أحمد دعت مؤلّف الكتاب د. هايل الطالب ،إلى هذه التسمية  ! وهو  لم ير قصيدة تخلو :(( من الاحتفاء بهذا الممتع ،، العشق ،، الذي يصبح استراتيجية فنيّة عند الشاعر، وإن تنوّعت أغراضه…إنه آلية تفكير في التعامل مع موجودات الكون …لتحضر أيقونات الحبّ / المرأة ، المكان ،الأسماء / ..من شجر  حجر و بلدة ،…وهو يقاوم بعشقه قبح الحياة …ويتمسّك بمباهجها  .،فينقل الفرح  بجمالية العاطفة..، بما فيها من بعد تخيّلي من الالتحام بلغة العشق ، مع إعطاء الأولوية للمشاعر الإنسانية  … )).

5- (ما وراء الغياب في شعر توفيق أحمد)  تأليف محمد شريف سلمون - دار نشر شيبلا في حمص 2023 وهو أول كتاب يصدر عن هذه الدار.

6- وفي مقدمة لمختارات من شعر ،،أحمد،، لصالح جمعية الكتاّب في سلطنة عمان ،  عنوانها ،، غنيّ عن التعبير :[ بوّابة ضيقة لعوالم شعرية واسعة ] رأى نذير جعفر  أنّ توفيق : ((  لايكتب الشعر فحسب ، إنما يعيشه ويتنفسه …..شاعر عصيّ عن التصنيف ..  يحار المرء ..ماذا يختار من جميل شعره….قصائده نفثات روحه ومزق قلبه ..وإيقاعات غبطته ، عاشقا ..حالما ،عربي الانتماء ..إنساني الوجود  )) ، فيما رأى أحمد علي هلال  :(( في منجز توفيق ….دخول في تقانات محسوبة ..يقتضيها فكر الشكل ،..وتكيّف النص الشعري ..والشاعر ينساق مع إيقاع لغته الخاص ، المترعة بالصفاء اللغوي والتركيبي ..وجماليته الداخلية ،جمالية التشكيل لعمارة القصيدة ،حيث انتظام  وحداتها العضوية والبنائية )).

 د. نسرين صالح  توفت عند  الرؤية الجمالية في قراءتها للطبعة 3 فقالت  :(( ليست صياغة شعرية فحسب ..، بل خلقا وإبداعا ..وجاءت كاشفة وعيه الجمالي ، المرأة كائن استثنائي في رؤياه … لايرتكز شعره على الجمال الجسدي للمرأة بل على الأثر الجمالي  ، حيث يفيض شعره بكل قيم الجمال والجلال ،،  كما في قصائده الوطنية وعشقه  للشام  وياسمينها وقاسيونها  : 

  ((لله هذه الشام           حسن وأهل كرام

على سرير يديها        خدّ الزمان ينام

فيها تصلي المعالي       وقاسيون الإمام ))..

 لكنّ خديجة مروان الحسن ،  وفي دراسة ،،المقاربة السيميائية والحركة اللغوية ،، في شعر توفيق تقول :((اختياراته من رؤى ولغة ومعان  وانفعالات ..هي دعوة لعالم الجمال ..قائمة على صدقيّته وفطنته وطاقته الإبداعية . ما ميّز شعره بقوة الخيال…، والجمع بين أشياء شديدة الاختلاف ..  مثل قوله:

هذا الفراغ..إلى الفراغ يقودني.          ويصوغ قيد الهلوسات لمعصمي))ص 359

وترى  أسلوبه في سيمائيته  متجدد  بالحركة  الانتقالية  ،الاغتراب ، الارتقاء، الإنحناء ، السرعة …البطء.. ألخ 

وحسب الحسن :،، تقوم لغة الشاعر على قطبين ، الاستعارة الانتقائية ،الاستبدال والمشابهة ، والمجاز المرسل ، في التنسيق والدمج ، والمجاورة  ، وهي تلتقي بذلك مع عبدالله الشاهر ،بقوله :((  لغة الشاعر تغتني  بالإيحاءات والمحسنات  والدلالات  والرمز الصوري   )).

ها هو يزاوج بين الماء والنار :

«كالنهر مشتعلاً بنار الماءِ

 

تمشي في جوارحكَ القصيدهْ

 

وتَصُوغ من موتِ الترابِ

 

ضفائرَ العشقِ المشاغِبْ

 

لك وحدَكَ الكلماتُ تفتحُ بابَها

 

وتنامُ في أُفُقٍ من النجوى

 

على يدكَ الكواكبْ».. ص 305-306.

 

بلال حسن أحمد ، توقّف في دراسة موسعة ،عند الشكل التقليدي للقصيدة ،حاملا للرؤى الشعرية الحديثة في  واحدة من بواكير  قصائده  ،، أميرة الحبق والعشق ،، ص 26 ط 3 فوجد فيها :(( كلّ شروط الحداثة ، من معان وصور..وانزياحات ،  ورؤى  وانسيابية ورقة ودفء ، ومع ذلك أخذت الشكل التقليدي للقصيدة العربية ))… وهي تنطلق من تساؤل بسيط:

هل لعينيك في المدى من رفاق ؟!    تجمعان العشّاق بالعشّاق

وإذ يشير الناقد إلى الجوالعاطفي للقصيدة ، يراها: (( مليئا بالرهبة والجمال  ..والجلال

 والحبّ ..والتعفف والوقار ..)) قبل أن ينوّه إلى أنها من ((البحر الخفيف الذي جاء خفيف الروح في تموّجاته من الهدوء إلى السموّ..)) فيما :(( أبدع الشاعر أخيلته في عالم الاستعارات والصور المبتكرة .)).

الشاعر صالح هواري  ينحو بشعر توفيق أحمد ، نحو الرمزية ،، الشفيفة والغائمة ،، ويصفه : ((بأنه شاعر المدى والندى، ..كسر نمطية القصيدة التقليدية ، … محاولته ارتياد آفاق قصيدة التفعيلة كانت موفقة،… من خلال تعامله مع اللغة الشعرية تعاملاً عصرياً تفوح منه نكهةُ الحداثة، ، .. استطاع أن يدخل منطقة القصيدة النثرية بنَهمٍ شعري خلّاق، واثقاً أنّ الشكل التعبيري للقصيدة ،ليس مهمّاً ، بقدر ما هو في جوهرها ..، لذا اندفع إلى قصيدة النثر اندفاعاً واعياً مسلحاً بأدوات تعبيرية تليق بالنص الذي يكتبه)) ، مستشهدا بقوله في مجموعة “نشيد لم يكتمل” 121- 194..

 

،،دعيني أراك وراء ستار ..لأشعر أني أراك طليقة ،،

 

القاصّ ناظم مهنا، اختار قصيدة “نبع السن” كنموذج للقراءة الأنطولوجية التي تُعنى بالمعنى ولا تفصل بين الشكل والمحتوى موضحاً :((أن الشاعر يخاطب النبعَ باسمه الصريح الأسطوري “السن” ويتبادل معه ومع العالم شجونه ، وأحزانه وهمومه ضمن تناغم متكامل ما بين التكوين اللغوي وحركة الإيقاع في الطبيعة، موظفاً فيها كلّ الأدوات الشعرية دون تنافر بين إحساس الشاعر وإحساس النبع، حيث اللغة والإيقاع الشعري في هذه القصيدة يقيمان التوازن بين الأنا والخارج، وهذا ما تحقّقه الغنائية الحاضرة في القصيدة ..)) ويرى مهنّا،  أنّه ثمّة قصائد تفوقها روعةً، .. وأن تجربة الشاعر أحمد المتكاملة جديرة بأن تضعه في الصفوف الأمامية في خارطة الشعر العربي المُعاصر)).

أما الشاعر عبد النور هنداوي ، فقد رأى أبا ساري :(( يصرُّ في قصائده على صنع أرواح للحجارة، …و يجد نفسه في الأشجار، أكثر ممّا يجد نفسه في الهواء أو في المرايا، ولا يستطيع إلا أن يظلّ طفلاً كقصيدته، وصناعة القصيدة عنده تشعرنا أن قلبه هو ذاته القصيدة..)).

 بعض النقاد ، تناولوا مجموعة او قصائد بعينها ، محمد ضمرة - الأردن ، راجع ،،نشيد لم يكتمل ،،  ص 121 -194ومن عنوانها تلمّس :((رؤية الشاعر المتعطشة للاكتشاف والبحث ، وإمكانية تقصي المخزون الشعري الذي يملأ كيانه…)) وكثير أسئلة تلحّ وأسئلة تترى  :

،،ضجر ! …  وأسئلة تلاحقني.  

عتب …على وقت مضى

وتلك قصائدي في الصدر أخزّنها …….

لطول انتظار تّوجعت….

……….

 ياليل فارفع قيدك القسري عنها …

كل مافيها ينادي …أطلقوني …دثّروني  ص121- 122

كما رأى ضمرة  : ((الموسيقى في أرجاء القصائد محدثة صالة فرح انسيابية .. الشاعر عاش مضامين القصائد. .))..

إلهام سلطان تراه شاعرا رومانسيا :(( ترتقي لغته لمرحلة الرمز والتجريد والصوفية بقدسيتها ، وصور تتماهى الى الذاكرة ،  كشلال نور يغوص في عالم الشعر ….بعيدا وعيناه لا تزال معلقة عند خيوط الشمس ألقاً ، الشاعر توفيق أحمد شاعر رومانسي ..، فألوان أحرفه وألفاظه ترتقي الى ألفاظ الشعراء المبدعين بعبق العاطفة ورونقها , يمتلك شاعرنا صور شعرية تترجم مخيلته الدفَّاقة بالسـحروالجمـال كما في قصيدته (ألوان) ص 22:

(عندما تسرقني الزرقة في البحر ..

تصب الماء والنفي على فيض جروحي...

يتمطى من عميق الحس في صدري إله ….كاشفا زرقة روحي … )

د.عصام شرتح ، وفي كتابه ،، فضاء المتخيّل الشعري ،،  درس تجربة الشاعر بين /قصيدة الومضة وقصيدة اللوحة  / ومثيراتها المشهدية ،وافقها الدلالي/ من خلال ديواني ،، لو تعرفين  ص 50  -120 ولا هدنة للماء ص -  281-195،، فوجد البنية الدلالية تتبدّى في:

1-إدراك أبعاد الكلمة وإيحاءاتها ..بما فيها من قدرة تعبيرية وتصويرية و قيمة جمالية … كما في قصيدة ،،حبّك،، ص96 :

،،حبّك كالصيف الذي أحبّه

  كقدح الخمر الذي أصبّه…

كفرح العصفور بالعصفور   ……..كشهقات النور ،،

2-التموّجات والتنغيمات الإيقاعية بين صوره وتراكيبه ..بفيض من المشاعر :

،، أيّها الموجود في ذاكرتي عالما بعض أمانيه الوجود

أيّها المحفور في خارطتي ، وردة تبكي لتسقيها الورود ،،

3-جمال التعبير الشعري  كما في قصيدة ،، كتبتك ،، ص 56:

،،كتبتك فوق صدر الغيم عشقا ……نديّا فاكتشفتك في ضميري

…..

كتبتك قصة كانت وتبقى ……..بذاكرة العصور مع العصور ،،

ويلفت الناقد شرتح إلى أنّ :(( شعرية أحمد …تزاوج بين تشكيلين متكاملين ، القصيدة الومضة  / والقصيدة اللوحة  معتمدا المفارقة اللفظيّة وتجلياتها …والتراكم المشهدي )).

د. وضحى أحمد يونس ، قرأت ،،الصديق المعشوق في إخوانيات  توفيق  ، الإنسان المعادل للوطن ،، عبر  7 قصائد عتاب ورثاء مدح ، أو اعتذار،  على نحو قصيدة المازنية  259نسبة إلى صديقه مازن صباغ  وقصيدة ،، تفاصيل ،،ص  262  فلمست  (( صدق العاطفة  وعمق  الأخوة الإنسانية .. وتسلّل العشق إلى مفاصل تلك الصداقة وقدسيتها  مشيرة لقوله :

((أنت في البال سرّ لا أبوح به         وكلّ أمس أراه في يديك غدا ))

ولصديق آخر :

(( في القلب أنت قصيدة ونشيد         وطفولة علّ الزمان يعود))

ومثل هذا الصديق معادل الوطن  )) كما تؤكد د. وضحى .

الشاعر والناقد الصحفي محمد خالد الخضر بدا له :((  واضحاً تألّق الألفاظ وطبيعة حركتها ، في [نتاج ] الشاعر من كتاب البحر، وقد تكوّنت من الأشجار والعصافير والغيوم ، وأسراب الحمام …. ، مما جعل قصائده تعبر الزمن وتتلاءم مع مختلف البيئات مهما تبدلت)) تراه  يقول في قصيدة الغيم المغادر ص217:

،،قدمت يطير أمامها سرب الحمام .. ويحتفي بجلالها الرمّان ..يلقي عطره الغيم المغادر ..

 قدمت لترميني هناك موشحا بالعشق .. والولع المغامر،،.

 الناقد ابراهيم عباس ياسين يصف شاعرنا  : (( كما لو أنه جَوَّابُ آفاقٍ، تقودُهُ روحٌ قلقةٌ ومغامِرةٌ  ،….. يكسر الوقت بقصائد وأناشيد مثقلة بشاعريتها، ومفعمة بحرارة الروح،

إنّ القارئ لأعمال توفيق الشعرية ، يلحظ أنّ القصائد ، تعلن انحيازها … لموضوعات شعرية تتسم بحميميتها ..وهي  تُثير أخيلتنا وتُلهب مشاعرَنا وأحاسيسَنا ومعها تُلهبُ أرواحَنا……..وعندي أنّ المنجز الأهم في هذه التجربة ، أنّ صاحبها استطاع أن يحقق معادلته الصّعبة في المواءمة ما بين قطبي الأصالة والمعاصرة بكل ثقة واقتدار.. )).

إبداع أبي ساري ، غادر الورق ، إلى المنابر ،حيث رتّله في عديد  المهرجانات الأدبية العربيّة و الدّولية مثل : المربد ، جرش و عرار ،  والجندارية  ، القاهرة ، صنعاء  و ميونيخ  .

 وهو يعدّ و يقدّم بصوته ، برنامجاً شعريّاً يوميّاً ،عبر أثير إذاعة صوت الشّباب،  تجاوزت حلقاته 7 آلاف ، من نتاج شعراء سوريين وعرب  وعجم ، وتمّ تكريمه أدبيّاً و إعلاميّاً في عديد الدول  العربيّة ،  وترجمت بعض أشعاره إلى 4 لغات أجنبية  ،ومع مسيرته الإعلامية الحافلة  بالمهام التي أسندت إليه ، فالشاعر هو الذي خدم الإعلامي وليس العكس .

من بواكيره ،، نشيد لم يكتمل ،، 121-194 التي لفتت غير ناقد وأديب ،  وعلى مدى 3 عقود ، ولأنه شاعر مكتمل على مايصفه د. خلدون صبح ، فإن مسيرة توفيق أحمد الشعرية لم تكتمل ، عطاء فكريا وألقا إبداعيا   بأنغام قصيد عتيد ، لعله يزيد لعله… ….

 

 

هوامش:

========

-الأعمال الشعرية للشاعر

- موقع الرأي الكويتية  10\12\2014  + احمد عساف 10\9\2014  عن صفحة الشاعر

-`مقابلة  ،،عالم الثقافة،، مع الشاهر 12\9\2022

- د. الشاهر ،نبوغ أسعد ، وكالة سانا  -   5\9\2017 

-  هواري ، مهنا، هنداوي-  د.غنيم ، د. داية ، د. الطالب ، أحمد هلال ،

-  أوس  يعقوب ،ابراهيم عباس ياسين  ،،فارس وتخوم ،،

- محمد خالد الخضر  - سانا 2014-11-08

- د. عصام شرتح ، كتابه ،، فضاء المتخيل الشعري  ،، دار الينابيع 2010

- د. نسرين صالح ، مجلة الموقف الأدبي ،عدد آذار 2023 -

-محمد ضمرة - الرأي الكويتية 10\3\2005

-سيرة ذاتية للشاعر 

مواضيع ذات صلة

أدب وثقافة

السيرة الذاتية للكاتب الإعلامي سعدالله بركات

ما بين الإذاعة والتلفزيون ، 37 عاما ويزيد ، كانت سنوات عمل وحياة ماتعة ، وقد تمازجت مع الكتابة الصحفية امتدادا بعد التقاعد ، لتجربتي على تواضعها

أيام على النشر

أدب وثقافة

أوراق سعدالله: نفحات وجدانية ..ومصداقية بوح بقلم الدكتورة الشاعرة مها قربي

قرأت أوراق " وجع سعدالله" فإذا بها نفحات وجدانية مرسلة " وبذلك وصفها أيضا د. جورج جبور في تقديمه للكتاب ص 7 " قلّبتها

أيام على النشر

أدب وثقافة

من ضفاف النيل: لعيني دمشق يغنّي الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد

لعيني دمشق أغني لعيني دمشق حنيني القديم بعمر الدهور بصدري يقيم

أيام على النشر
أيام على النشر
أيام على النشر
أيام على النشر
أيام على النشر
أيام على النشر

تابع أحدث التحديثات

احصل على نسختك الجديدة من المجلة
فقط قم باضافة البريد الالكتروني الخاص بك