2024/05/02 -
أيام على النشر

بتبرعات وخبرة أبنائها : صدد..تصون كنوزها الأثرية م. جورج مواس : بحرفية فنية أنقذت أوابد تاريخية ..بقلم الإعلامي سعدالله بركات

بتبرعات وخبرة أبنائها : صدد..تصون كنوزها الأثرية م. جورج مواس : بحرفية فنية أنقذت أوابد تاريخية ..بقلم الإعلامي سعدالله بركات

من محاسن الفرص  أن تقوده جدارته المهنية ،إلى المشاركة في أعمال   ترميم  الجامع الأموي الكبير في دمشق،  منذ بدايتها  1991 ، وحتى العام 1997 ، ستّ سنوات من العمل اليومي الميداني ، أمضاها م.جورج مواس  وسط فريق عمل متميز وفّرت له خبرة غنيّة ، كيف لا وهو الذي أثبت تلك الجدارة  بتراكم  وتطوير خبرة  بوأته مهام ،،مدير مشاريع ،، في مؤسسة عامة فاعلة على سعة أعمالها ، لكنّه وعبر هذه الفرصة  تنبّه إلى أهمية الأثر التاريخي ، وصونه من عوامل الزمن ، فكان حريصا على اكتساب المزيد من الخبرة ، وراح يطورها ويتعمّق فيها  ، إلا أن ريادته  في مجال  الهندسة  ، كونه من أوائل  الخريجين من  بلدته  ، ترجمها غيرية  على  ما فيها من  تراث تاريخي  وأوابد ، فسرعان ما عمل  أبو وسام  جاهدا لنقل خبرته التطبيقية  إلى صدد، بغرض ،صيانة ما تحتويه من كنوز أثرية ،فريدة ، ولا أنسى حماسه  ومساهمته وأخرين في إنجاز وثاىقي ،،حكاية صدد.. حكاية وطن ،، كما  دعم  فكرتي بترسيخ علاقة أبي فراس الحمداني بالبلدة ، لا بل بادروا وعملوا لاستعادة بناء برجها  الذي انهار بعضه ، وهدم بعض آخر قبل نحو 100عام  ، وتم حصر أحجاره ، وبوشرت إجراءات إدارية بالتعاون مع البلدية والآثار ، وأنجز تصميم لبناء برج جديد بتوظيف ثقافي  وترفيهي على نحو معاصر[ راجع مقالنا ..صدد والحفر رواد وأوائل ج٢ ،مبادرات ]  صدد والحفر رواد ، لكن ( العصي) التي وضعت في عجلات العمل  ، طالت آثارها المتبرع  فانكفأ ، ولعلّ الموضوع  لم يصبح في خبر كان .

وأحسب أن قصة هدم البرج ، التي سبق ووصّفها ، ب( الخطأ والجهل )، بل ب (جريمة غير مقصودة ) ، ضاعفت إحساسه  بأهمية باقي الأوابد ، وحماسه لصونها على نحو علمي معاصر .

ترميم  ديرمار برصوم:

لشعور خاص لفتني ترميم دير مار برصوم ، ففضلا عن كونه أثرا تاريخيا  يعود بناؤه الطيني - الخشبي  إلى عام 1700م ، ثمة علاقة خاصة تربطني بهذا القديس وديره ، حيث نشأت على بعد أمتار منه ، وطالما نهلت الماء الرقراق من بئره ، قبل أن أضيء قنديله ليالي الآحاد والأعياد ، فهو شفيع حارتنا  والعائلة ، و،،ديك ،،الاحتفاء بعيده في 3 شباط ، كان يجتمع عليه جيران وأقارب ،  أما حصاه ( المباركة )التي حرصت أم سعدالله على تزويدنا بها عند السفر فمازالت واحدة منها بحوزتنا ، وأحسب أن لدى أبي وسام شعور مماثل من جيرة  طفولة لهذا الناسك .

يصف م.مواس حالة البناء  أنه ((كان منهارا تماما عام 2011 ، إلاّ الأقواس الحجرية فلا سقف ولا جدران ، إلاّ ما عفا عنه الزمن ، كنا أمام تحدي الحفاظ على الطبيعة المعمارية للمبنى ، فقد حرصنا على إعادة كل الأجزاء المعمارية والإنشائية كما كانت..، دون أي تغيير مع التدعيم الإنشائي المخفي  )).

و يقول : ((لذلك تم تدعيم أساسات الجدران الطينية  ، والكشف على أساسات الأعمدة الحجرية الحاملة للأقواس، وتدعيمها بالبيتون المسلّح المخفي لضمان استمرارها لأطول وقت ممكن ،كما

تم ربط الجدران الطينية والأقواس الحجرية ببلاطة بيتونية تشكل السقف ، كجملة إنشائية واحدة قوية ومقاومتها لعوامل المناخ عالية)).

ويوضح م. مواس أن((كل هذه الأعمال جرت ضمن الحرص على  الطابع المعماري الأثري ، بحيث لا يظهر أي عنصر إنشائي جديد،   فقد أعيد السقف الخشبي كما كان بالشكل  ،  وتمت المحافظة على الأقواس الحجرية بعد ترميمها وأعيدت الصحون القيشانية التزيينية بعد ترميمها واستبدال المكسور منها.، وكذلك المغارة الأساسية التي بنيت عليها الكنيسة فقد تمت صيانتها وتدعيم سقفها بالبيتون المسلح  دون أن يظهر للعيان)) .

ما يعني بإختصار ،تم إنقاذ بناء الدير من الاندثار ، قلت ،،إنقاذ  وأعنيها حرفيا ،فقد كان البناء والأثر معرضين للزوال ، بمخطط شارع رسمه مهندس  لاىيفقه بالتاريخ ، لكن مبادرة م. سليمان الخليل رئيس البلدية حين الترميم بمخاطبة الجهات المعنية  وتعديل المخطط ، بالتعاون مع م. مواس  حسب الأخير ، أنقذ البناء فعلا ، كلّه من الفناء  قبل أن يغدوا أطلالا تدعو للبكاء

ترميم كنيسة مار سركيس:

بنيت هذه الكنيسة 1756  مع بناء كنيسة الخضر  ، وكلاهما تتميزان بطراز معماري ورسومات جدارية مذهلة لكن عام 2017…كما يقول  م. مواس :((ظهر تعرّضها لتسرّب المياه من الخارج ، ومياه الصرف الصحي من الداخل ، ما أثر على الجدران الطينية الحاملة لوحات الفريسك الفريد وجودها في العالم ، وبالتالي أدّى  إلى تملّح هذه الجدران  وتلفها ، وبالتالي تعرّضت إلى خطر الانهيار ، لوحات  الفريسك الرائعة ، وخاصة لوحة  العذراء  المرضعة ، والتي تتفرد صدد باحتوائها لها )).

كان التحدي هنا معالجة الرطوبة وقطع دابرها ولذلك كما يوضّح م. مواس ((تركّز العمل على إبعاد مصادر المياه المالحة والحلوة عن البناء ، واستبدال الأساسات المتملحة بالبيتون المقاوم للأملاح ، وقمنا بإنشاء جدار استنادي ارتفاعه  من الجهة الشمالية ، لدعم الجدار الطيني الذي يحمل لوحات الفريسك في الداخل ،وبعد قشر الطينة على الأقواس الحجرية في داخل الكنيسة ، ظهرت لنا جدران حجرية مبنية بشكل معماري فريد ، بحيث تشكل هذه الجدران أقواس حجرية متصالبة لحمل السقف الخشبي،   فتعمّدنا إبراز هذا الفن المعماري الرائع ، وتقوية الحلول بين الأحجار، بمواد خاصة للحفاظ عليها وضمان ديمومتها ، وإبراز أثر الفن المعماري للأباء   والأجداد )).

ولما كانت الوقاية خير من العلاج يؤكد م. مواس ((على ضرورة ، نقل دورات المياه الملاصقة للكنيسة إلى الجهة الجنوبية  لإبعاد خطر المياه المالحة عن البناء ، وقدتم تزويد اللجنة المسؤولة عن الوقف بالمخططات اللازمة لنقل المطبخ والمرافق التابعة للصالة الملاصقة للكنيسة )).

 

ترميم كنيسة مار تيودارس:

بنيت هذه الكنيسة عام 1700م ، وتمتاز بسعتها وسماكة جدرانها وعلو سقفها الخشبي المزخرف ، لكنها رمّمت اعتباطيا أكثر من مرة ، كما تبين  خلال ترميمها عام 2023

تعود  مشكلة الرطوبة  و تأثير تسرب المياه  تحت الكنيسة على الجدران الطينية،  كما يوضح م. مواس  ((حيث يجاورها من الشرق دخلة زقاق قديم  تتجمع فيها مياه الأمطار ، حيث المصارف لاتعمل ،  مما أدى إلى تملّح جدران الكنيسة وأعمدتها الحجرية  ما عرّضها لخطر الانهيار، ولذلك قمنا بردم الزقاق،  وصبّه بالبيتون بميول مناسبة لإبعاد الخطر عن جدار الكنيسة ، بعدما جرى إصلاح المصارف )).

التحدي الجدّي  ظهر في داخل الكنيسة ، يقول م. جورج مواس  المشرف على الترميم  :((بعد قشر الطينة عن الأعمدة ، تبين أنها أعمدة حجرية قوية منحوتة بشكل دقيق ورائع ، وهي من الحجر الرحيباني وللأسف وجدنا هذه الاعمدة الرائعة مطمورة بالطينة والدهان الزياتي ، ولذلك قمنا بازالة هذه الطينة والدهان عن الاعمدة ، لإبراز جمالها وروعتها ، مع تدعيمها بمواد خاصة ، نتيجة بعض الاهتراء في أسفل هذه الأعمدة جراء تعرضها للرطوبة )).

 لكن بعد إزالة بعض بلاط الموزاييك حول الأعمدة ، تبين ((أن الارضية الأساسية للكنيسة هي من حجر الكدان القاسي ، وتظهر معه وعلى نفس المنسوب الأحجار المربعة التي يرتكز عليها العمود الحامل للأقواس بترتيب معماري رائع )) والكلام للمهندس مواس الذي أعرب عن الأمل ب (( تعاون لجنة الوقف لإزالة بلاط الموزاييك الموجود حاليا وإظهار الأرضية الأساسية الرائعة )).

ترميم مغارة كنيسة أم الزنار في حمص:

لمّا كان بناء المغارة  يعود إلى عام  59 م  [كنيسة تحت أرضيّة  أشبه بقبو  تتم العبادة فيه سرًا خشية من الحكم الروماني الوثني،  وبنيت  على يد إيليا أحد تلاميذ المسيح السبعين]..،، فهي تتعرّض دائما لانهيارات ترابية ، بسببب تربتها غير المتماسكة ، فتسرب المياه  العدو الأول للأبنية الحجرية ،حسب توصيف م. مواس للمشكلة  موضحا أن ذلك(( شكل  خطرا  على زائريها، أو احتمال تعرضهم لبعض انهيارات التربة ، ولذلك فقد تمت  في عامي 2019 - 2020 دراسة شاملة لإبعاد مصادر المياه عن المغارة ، ومعالجة الصدوعات في جدرانها وسقفها وتقوية بعض الأماكن الهشة فيها ، ثم  معالجة الجدران والسقف بمواد كيميائية خاصة لتصليبها ،وبذلك تمت  المحافظة على هذه المغارة وحماية زائريها من الأذى )).

 ويختم م. جورج مواس بالتنويه ((أن  كلّ أعمال الترميم جرت  بجهود شاقة ومتقنة لفرق عمل وبالتعاون مع مديرية الآثار التي قدمت المشورة  ،خاصة بشأن ترميم جداريات مار سركيس ، وأنجزت  ببركة ومواكبة  نيافة المطران متى الخوري و سلفه مثلث الرحمات المطران سلوانس النعمة ، وبالتعاون مع لجان الوقف )).

وفيما نشر على صفحة صدد أن تبرعات خاصة للترميم من مقيمين ومغتربين ساهمت في الحفاظ على هذه الكنوز الآثارية الثمينة.

 واللافت أن ما نفّذ من ترميمات ، جرى في سنوات الحرب على سورية ، ما يدلّل

 على عمق انتماء بإصرار، وإعادة إعمار..

 

مواضيع ذات صلة

أدب وثقافة

السيرة الذاتية للكاتب الإعلامي سعدالله بركات

ما بين الإذاعة والتلفزيون ، 37 عاما ويزيد ، كانت سنوات عمل وحياة ماتعة ، وقد تمازجت مع الكتابة الصحفية امتدادا بعد التقاعد ، لتجربتي على تواضعها

أيام على النشر

أدب وثقافة

أوراق سعدالله: نفحات وجدانية ..ومصداقية بوح بقلم الدكتورة الشاعرة مها قربي

قرأت أوراق " وجع سعدالله" فإذا بها نفحات وجدانية مرسلة " وبذلك وصفها أيضا د. جورج جبور في تقديمه للكتاب ص 7 " قلّبتها

أيام على النشر

أدب وثقافة

من ضفاف النيل: لعيني دمشق يغنّي الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد

لعيني دمشق أغني لعيني دمشق حنيني القديم بعمر الدهور بصدري يقيم

أيام على النشر
أيام على النشر
أيام على النشر
أيام على النشر
أيام على النشر
أيام على النشر

تابع أحدث التحديثات

احصل على نسختك الجديدة من المجلة
فقط قم باضافة البريد الالكتروني الخاص بك