تتّسم المحاماة بالخطورة والدقة الكبيرة، فإنها مهنة مقدسة تكتسب قداستها من نصرة المظلوم، ولا بدّ أن تكون ضمن إطارها الحقيقي، وإلا قُلبت إلى سيف يأخذ المظلوم كما تفعله الأطماع الجشعة لأنها تساعد الظالمَ على جوره و تبتلع ما يمكنُ أن يظهر لها من الحق، فتزيدُ لوعةَ الناس وحُرقتهم وتكويهم بالمزيد من النار، فحين يستعملُ المحامي مهارته في الدفاع وذكاءه في النقاش لإظهار الحقيقة إلى ما هي عليه فإنّ المحاماة تصبحُ أسمى ما يمكن أن يدرس، وأشرف ما يمكن أن تمنح شهادته للإنسان.
وللحديث أكثر عن هذه المهنة التقت مجلة زهرة السوسن بإحدى قاماتها المحامية رانيا منير اليوسفي.
وتحدثت "اليوسفي" في بداية اللقاء قائلة: حياتي مكونة من أسرتين ، هما الأسرة المهنية و تتمثل بالزملاء والزميلات في النقابة على صعيد العمل، وأسرتي القريبة وتتمثل بعائلتي الكبيرة والصغيرة وصديقاتي المقربات جداً. وتابعت بالقول بكل بساطة انا إنسانة نشأت في عائلة تحب العلم، وتسعى للتميز دائماً، فمنذ نعومة أظفاري كنت أحب القراءة وخاصة القصص والروايات ،ولكن ليست أية روايات عادية كالتي يستهويها الأطفال الذين هم في عمري، بل كنت أبحث عن الروايات البوليسية ،واستمتع بأن أبحث مع الكاتب عن الجاني لنصل معاً بحس بوليسي إلى مرتكب الجريمة، وهكذا كبرت وكبر حبي للمحاماة معي يوماً بعد يوم وعندما وصلت إلى المرحلة الثانوية كان خياري الأول هو الحقوق وبدخولي كلية الحقوق حققت حلمي الصغير ومع تخرجي وانتسابي إلى نقابة المحامين حققت حلمي المتوسط ،وبعد مناقشة رسالة الأستذة وانتقالي إلى جدول المحامين الأساتذة ،وضعت التاج الذي طالما حلمت به ولبست رداء العز الذي هو بالنسبة لي ثوب الشموخ، ليس لشيء ولا تكبراً أو تفاخراً ولكن لأنه بالنسبة لي هو طريقي للدفاع عن المظلومين ورد الظالمين وردعهم وتوعية كلاً منهما ليعلم المظلوم بأن لديه حقوق يجب أن يدافع عنها ،ويكون واعياً فاهماً تماماً ما له وما عليه، وليعلم الجاني بأن هناك عقاب لا مفر منه إذا انجر إلى طريق الضلال، وليعلم تماماً ما هي عقوبة أي عمل منافي للقانون في حال إقدامه على اقترافه، فمنه ومن هنا طموحي دائماً وعلى مر الأيام هو إحقاق الحق على الأرض ،والسعي إليه وإعادة الحقوق إلى أصحابها.
وأكدت اليوسفي مناصرتها للجنس اللطيف فالأنثى يجب أن تكون واعية دائماً لحقوقها كاملة ،وأن تعرف كيف ومتى وأين تستطيع أن تطالب بها، وأن تقوي نفسها بنفسها لكي تكون عنصر فاعل وواعي ومتطور في المجتمع ،وأن تكون على علم كيف توازن بين حياتها الأسرية وعملها، ولهذا يجب أن تختار شريك حياة متفهم وواعي، واسمحوا لي أن أكرر "أن تختار" لا أن يملى عليها فعندما خلقنا الله خلقنا مكرمين فمن حق نفسنا أن نكرمها مع من يستحقها، بالنسبة لي هذا ما قمت به اخترت شريك حياة متفهم أكبر معه وبه، فنجاح أي أحد منا هو نجاح لكلينا فهو مساند لي دوماً وبدعمه أستطيع التوفيق بين عملي والتزاماتي تجاه أسرتي الصغيرة وعائلتي الكبيرة، فهو من جعلني أنهض بنفسي بتقبله لي كما أنا.
وبينت أن جميعنا مررنا بظروف صعبة تتفاوت شدتها وقساوتها وأنا واحدة من الأشخاص الذين مروا بظروف قاسية جداً ونهضت بنفسي ،وتلك الظروف ثقلت شخصيتي .. قلمتني .. جعلت مني تلك المحامية التي تقف شامخة مدافعة عن الحق مهما تعرضت لتهديدات أشباح الظلام جعلتني لا أهاب الموت طالما كانت غايتي الحق، وكما يقولون بداية الغيث قطرة أقول بداية المسير خطوة وكانت تلك أهم خطوات حياتي .
وأشارت إلى أنه عندما تحديت كل الصعاب لأصل لما أنا عليه فكان صوت من الله يقويني دائماً، وانا أطمح ولن يتوقف طموحي لأرى نفسي في المستقبل ممن يتم اللجوء إليهم دائماً محلياً وعالمياً لإحقاق حقهم وسألبي النداء ما حييت.
وكشفت اليوسفي أنه بالنسبة لي كانت من أهم القضايا التي استلمتها بنظر نفسي إعلان براءة موقوف بجرم ملفق له من قبل ابن عمه ليستولي على بيته المتاخم لبيته لضم البيتين سوياً ،غير آبه بما قد يتسبب له من حكم مبني على تلفيق محكم، واستطعت بفضل الله الحصول على حكم براءة لموكلي رغم التهديدات التي تعرضت لها من قبل ملفق التهمة في حال لم اترك الدعوى، ووقفت مع الحق وقمت باستقبال موكلي عند خروجه من السجن وتوصيله إلى بر الأمان لإن ابن عمه كان واقفاً له بالمرصاد على باب السجن متوعداً ،ولكن في النهاية لم يحق إلا الحق فالعدل ينتصر دوماً.
وتحدثت في الختام قائلة: اسعى بكل ما اوتيت من قوة لتحقيق هذه الرسالة السامية ،و أسأل المولى أن أستطيع إيصالها دوماً "وهي الحق" وتوجهت اليوسفي بطلب لكل من يقرأ كلماتها أن يهذب نفسه ويرفعّها ويرتقي بها دوماً فهي ذخيرته الوحيدة حين تضل به السبل.
ملك محمود