الشاعرة مريم كدر: كل قصيدة من نتاجي قطعة من نفسي...
تمزج بين الحب والأمل بين الفنون والشعر وتتألق في فن التصميم والجمال، ابنة البلدة العريقة صدد، الشاعرة والمعلمة والأديبة والأم (مريم كدر) تشرفت مجلة زهرة السوسن بإجراء حوار أدبي إبداعي معها.
- أستاذة مريم حدّثينا عن نفسك، من أنت؟
-أنا من جوهرة الصحراء، من بلدة صدد التي تتوسّد كتف بادية حمص، وتغفو على تخوم التاريخ والحضارة السورية العريقة، بل في قلبها، فيها ولدت وترعرعت ودرست، فاكتسبت طاقة وتحفيزا معرفييّن، كونها قهرت التصحّر المناخي والفكري، فشمخت بؤرة إشعاع علميّ للمنطقة منذ زمن التتريك البائس. نشأت على عشق القراءة حدّ الثمالة، وبعد زواجي حصلت على الشهادة الثانوية ثمّ درست الأدب العربي، وتخرّجت وأنا ربّة أسرة، قبل أن أباشر العمل مدرّسة في ثانوية البلدة، تطلّب ذلك جهدا منّي، بدعم وتضحية من عائلتي لاشكّ، لكن بلغت مناي عملا وهواية وإبداعا في قرض الشعر، والكتابة النقدية، والدراسات الأدبية.
-منذ متى بدأتِ تمارسين كتابة الشعر وكيف كانت بداياتُكِ الأولى؟
البداية كانت عفوية منذ مراحل الطفولة الأولى، فقد كنت أعشق اللغة العربية، وأمتلك قدرة كبيرة على الحفظ، أدمنت القراءة وبدأت أحاول صوغ أفكاري في قصص قصيرة، أو ما يشبه الشعر وهي بالطبع محاولات طفلية تعبّر عن الإعجاب بمن كنت أقرأ لهم، أو لنقل محاولة للتشبّه بهم، وفي المرحلة الإعدادية تعلمّت بحور الشعر، بمساعدة بعض الأقارب والأصدقاء ممّن هم أكبر مني سنّاً وأخبر، وبدأت بكتابة الشعر الموزون المقفّى.
- ما هي إصداراتك ونوافذ نتاجك على الجمهور؟ ثمّ ما الموضوعات التي تتناولينها في شعرك؟
-صدرت لي مجموعة شعرية بعنوان "جنون حلم" عن دار هدى بحمص 2019، وهناك مجموعتان، قيد الطباعة إحداهما شعرية والأخرى قصصية، لكني نشرت العديد من القصائد والمقالات عبر مجلتكم هذه، زهرة السوسن، وغيرها من المواقع الإلكترونية، والدوريّات. أمّا تواصلي المباشر مع الجمهور فيعود لنحو عقدين، انطلاقا من احتفالية أبي فراس الحمداني 2007-2009، ومهرجانات صدد العراقة المتتالية لعدة سنوات، ومهرجان الحفر 2021، فضلا عن أماسٍ شعرية في غير بلدة، ومقابلات إذاعية وتلفزيونية. أمّا موضوعاتي فهي من الحياة حيث كتبت للوطن والشهيد والأم وكذلك الوجدانيات كما كتبت لحلم بغدٍ أفضل يعيد لنا سعادة الماضي وبراءته: ((نستقل الحلم في شمس الصباح نخطف البسمة من عمق الجراح يرقص الإلهام نشوان على وقع النشيد ثم نمضي دون أن نجرح أبيات القصيد لنعيد قصة الماضي السعيد)).
-ما أكثر عمل أو إنجاز أدبي لك تعتزّين به؟
- كل قصيدة من نتاجي قطعة من نفسي ولكن ثمّة قصيدة بعنوان، أمير الصباحات، أعتزّ بها كثيرا، لأنني عدت بها للكتابة بعد انقطاع دام سنوات ، حيث خسرت بسبب الاجتياح الإرهابي الذي تعرّضت له بلدتنا، مجموعة الكتب القيّمة التي ضمّتها مكتبتي و مخطوطتان شعريتان تأخر نشرهما لظروف خاصة، ما جعلني أشعر أن آمالي وأحلامي الأدبية قد تحطّمت ،ومكامن الإبداع في نفسي قد جفّت ،لكن كتابة تلك القصيدة أعادتني إلى عالمي الشعري الأثير لديّ والمحبّب إلى نفسي، وقد قلت فيها (( لما تهادى على الأمواج مركبكم دلفت بالعمر وجلى نحو تسعيني شاب الفؤاد وما شابت ذوائبنا لكنّه البعد كأس السّم يسقيني))
- من هم الشعراءُ والأدباءُ المفضلون لديكِ والذين أثروا فيكِ؟
- أنا قارئة نهمة منذ الطفولة، أقرأ كل ما يقع تحت يديّ، وبشكل خاص الشعر، وأيّة قصيدة فيها عاطفة صادقة وتصوير جميل وصوغ لغوي جيد تشدّني، أيا كان قائلها، وفي أيّ زمن قيلت فلا يوجد شاعر بعينه، بل هناك أسماء كثيرة لا يتسع المجال لذكرها والشاعر بطبيعة الحال يتأثّر بشكل عفوي بكل ما يلامس وجدانه وروحه، لكنه يبتكر أسلوبه الخاص ولغته ليكون فاعلاً واديباً حقيقياً، وإلاّ سقط في فخّ التقليد القاتل.
بما أنك مُدّرسّة وشاعرة، كيف يؤثر الشعر والأدب بالتربية والتعليم، وماهي نقاط التلاقي بينهما؟
- بين التربية والأدب علاقة تبادلية ، كلاهما الأديب والمعلم تجمعهما وحدة الهدف ونبل الغاية والسعي لتعزيز منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية في النفوس ، فتراهما يحملان مشعل النور المعرفة و يسعيان إلى إنارة العقول وتخليصها من ظلام الجهل ، وحين يكون الأديب مربيّاً فإن ذلك يتيح له التواصل عن قرب مع الأجيال الناشئة والتعرّف على هواجسهم وهمومهم واهتماماتهم ، مما يفتح أمامه فضاءات إبداعية جديدة ويغني تجربته الأدبية ،كما أن الأدب بكل أجناسه وبشكل خاص الشعر ، يمنحه ذخيرة لغوية ومعرفية، وكذلك أسلوباً سائغاً يعينه على إيصال المعلومة وشدّ انتباه المتعلمين.
-ماذا يعني لك الشعر؟ وهل لديك طقوس خاصة للكتابة والإبداع؟
-هو حالة انصهار روحية بيني وبين القصيدة، وتماهٍ يجعلها من صميم دمي تجري مجرى الدماء في عروقي وتستوطن شغاف قلبي. ولا طقوس خاصة عندي للكتابة، إنمّا هو إلهام يفجؤنا دون سابق استئذان، وما أكثر المرّات التي تمّن بها عليّ القريحة وأنا في مجلس أصدقاء، فأغادر على عجل لأكتب ما جال بخاطري ثم أعود إليهم.
- هل ترين ثمّة فوضى في الساحة الادبيّة؟ وخاصة في موضوع التكريم؟!
- قد يلحظ المتابع فوضى مزدوجة أعني، لغة ومضمونا، فيما ينشر عبر بعض مواقع التواصل، والمواقع الخاصة، قلت بعضها، والتعميم لا يجوز.. والمؤسف استهتار بعض النخب بلغة الفيس، إنّها جاهلية العصر، وخطورتها مضاعفة على الناشئة. تصوّري وقع ذلك وخطره على نفوس الأجيال. أما النوافذ والمؤسسات الرسمية، فلها معاييرها ورسالتها، ولجان تحكيمها في النشر كما في التكريم. وفي النهاية الحكم للجمهور والقراء والنقاد البنائين، وإن كانت ثمّة معاناة من أزمة نشر، وأزمة قراءة في زمن الكورونا، ومن قبل ومن بعد.
-ما هو حظُّكِ من الصحافةِ والإعلام وتغطية أخباركِ ونشاطاتك الأدبيَّة والثقافيَّة؟ هل هناك دعم من الصحافة المحلية؟
الموضوع يتعلّق بنتاج إبداعي، فرصا أو اهتمامات، وليس لعبة حظّ، لكن اعتبر نفسي ((محظوظة)) إذا صحّ التعبير، بما وجدته من فرص واهتمام بنتاجي، فمجموعتي الشعرية، وجدت فرصتها عبر منافذ الصحافة والإعلام، ونشر عنها وعن نتاجي بعدها أكثر من قراءة، كان بعضها على صفحات مجلّتكم الغرّاء واستضافني التلفزيون مرتين في برنامج صباح الخير يا حمص، وبرنامج شمس السورية، كما أنّ معظم النشاطات التي أشارك فيها تتم تغطيتها من قبل الصحافة والإعلام. والصحافة المحلية تدعمني مشكورة، بما تتيحه لي من مجالات النشر، مثل مجلتكم وغيرها من المواقع والصحف، مثل جريدتي البعث والأسبوع الأدبي.
-ما هو (الأمل) عند الشاعرة مريم كدر؟
- الأمل هو قلعتي الحصينة وملجأي الذي احتمي به من عواصف الحياة، بما فيها من صراعات تخلق في داخلنا كماّ من المشاعر المتضاربة وتولّد في دواخلنا غربة روحية فرضتها طبيعة الحياة المليئة بالتحديّات. بل الأمل هو نسغ الحياة، ونحن محكومون به على قولة أديبنا الراحل سعد الله ونوس.
كلمة أخيرة تُحبين توجهيها عبر مجلتنا؟
أحبّ أن أتوجه بجزيل الشكر ووافر الامتنان لمجلة زهرة السوسن، الغرّاء على هذا الاهتمام وكونها تتيح لي نشر نتاجي على صفحاتها، وكذلك لاهتمامها بكل جوانب الحياة والثقافة والأدب في بلدنا الحبيب وهو يتعافى من محنته، وكلّنا أمل وثقة، أنّ الوطن الذي تظلّ راية الثقافة مرفوعة فيه رغم كل الظروف الصعبة، لا خوف عليه.
أجرت الحوار: دينا ايوب