إذا لم تحاول أن تفعل شيئاً أبعد مما قد أتقنته، فأنت لن تتقدم أبداً ، فمن سمو أخلاق المبدع: أن يقوم بنشر خفايا تجربته، وتعليم غيره، وفتح آفاق الإبداع أمامهم. فإذا أردت أن تكون متميزا ، فلا بدّ وأن تكون جريئاً، عندما تتعود العادات الحسنة، فإنها سوف تصنعك ،حينها تتعدد المؤهلات ولا تحكم على المواهب بمؤهلاتهم، ولكن تحكم من خلال استخدامهم لتلك المؤهلات.
وللحديث أكثر التقت "مجلة زهرة السوسن" بالكاتبة والشاعرة الشابة هديل سلاّم.
ما يدعم مسيرة الكتابة أعتقد هو وجود معطيات تشبهنا ،وأحداث تشبه مساحة الخيال لذواتنا ، أيضاً كلٍ منا يترجم ذلك على طريقته وبإسلوبه الكتابي الخاص به ، وربما تعتمد الكتابة في غالب الأحيان على مدى التأثر الفكري والروحي فيما يحيط بنا من هالات كونية على صلة بوجودنا على هذه الأرض ،فنحن بالتالي جزء من تلك الخارطة الكونية، ومدى التأثير هو نفسه السعي لبصمة ما ، أو لبقاءٍ ما، أما عن نفسي لدي تأثر بكل ماهو مرتبط بالطبيعة الحقيقية الثابتة التي خلقنا منها ، مرتبط بكل ماهو كان ولازال خارج دائرة التشوه الفكري المُصنع على كل المستويات ، كيف أستطيع أن أوافق بين الكتابة وحياتي الشخصية وفق ما قالته سلاّم في بداية حديثها للسوسن.
وتابعت في ذات السياق: أما عن التوفيق في حياتي الشخصية بين الكتابة وعملي ، فالكتابة هي صديقتي ورفيقة روحي ونحن متفقان دائماً على أن نلتقي في الأوقات التي تشبه ذواتنا الحقيقية دون السعي لخلق أي مشهد لذلك ، لذا لم أشعر بأن الكتابة كانت ،أو ستكون حاجزاً ما في حياتي أو عملي يوماً ، الكتابة بالنسبة لي هي تلك المفكرة الورقية التي أضيف عليها أثير تفاصيلي في الحياة في الحب في كل زوايا الفكر حتى اللانهاية .
وتحدثت عن أكثر موقف أثر بمسيرتها بالقول: لا أعرف ماذا أسميه هو ليس موقفاً فحسب هو جملة شعرية من قصيدة فرح دونتها في مفكرتي حتى أذكرها دائماً ، عندما قرأت الشاعرة هدى خداج مجموعتي الشعرية " آريانا " ومرت على أحد النصوص من ضمنها " لنا بيوتٌ معتقلةٌ تحت الفضاء ولنا فضاءٌ معتقلٌ بين البيوت " فقالت لي هذه الجملة يجب أن تدخل المناهج الدراسية ويتعلمها الأطفال في المدارس ، كان ذلك جميلاً بالنسبة لي يومها ، وكشفت بالقول: في الوقت الحالي ما أسعى له هو ترك بصمة صوت في المجال الإذاعي في بلدٍ ما، و أثر يشابه ذاتي في الكتابة يوماً ما ،وعن أهم خطوة في حياتي أعتقد أن أهم خطوة في حياتي هي عندما قررت أن أكون ذاتي الحقيقة دون ملامح أخرى مشوهة لا تشبهني .
وأشارت بكلمة وجهتها للجيل الحديث كما يلي: أقول لكل من يخطو نحو الكتابة ، عليك بالتعرف على نفسك جيداً من خلال محاولاتك الإقتراب بهدوء من عالم الكتابة حتى تطمئن، وأن تُصدِقَ القول مع نفسك بأنه هل لي أن أتابع أم أفكر في مجال آخر أكثر شبهاً لشخصي ، كما الرفيق العتيق لك هو الأهم من خلال أن تعرض عليه كتاباتك و نصوصك فهو متعمق في عالم الكتابة ولديه الخبرة في هذا المجال كما أنه حتماً سيصدقك القول ويكون على إطلاع فيما تكتب وبدورك تقوم بترتيب آرائه بالمكان المناسب، وهذا ما أقوم به أنا أيضاً، وكان للأستاذ والشاعر الفلسطيني صالح هواري الدور في الوصول بمجموعتي الشعرية إلى النسخة ربما الأكثر جمالاً والأكثر دقةٍ بالنسبة لي .
وبالحديث عن نشاطاتها لفتت بالقول: كتبت في العديد من المواقع والصحف ، وكان ذلك من خلال مجموعة من المقالات التي تناولت من خلالها الجانب الإجتماعي ، ولعل كان أبرزها مقالي عن أطفال متلازمة داون، أيضاً شاركت بأكثر من أمسية شعرية وصدر لي خلال السنوات الماضية ديوان بعنوان " آلهة البعد" والآن إنتهيت من تحضير مجموعتي الشعرية الثانية " آريانا" هذه المجموعة بالنسبة لي ،صديقة ورفيقتي منذ سنوات بقينا معاً حتى وصلنا لآخر لقطات الحب والشغف وهي صورة الغلاف، والآن هي قيد الطباعة ولا أنسى أول فرح كتابي هو عندما نشرت نصاً شعرياً في جريدة الجبل في مدينة السويداء، أذكر يومها بأني إحتفلت مع صديقاتي وكأني ملكتُ شيئاً ثميناً ، كما كان لي تجربة بسيطة في كتابة سيناريو فيلم وثائقي بعنوان " الصعود للإله " أتحدث فيه عن تعريف للمواقع الأثرية في محافظة السويداء ، أتمنى أن يولد على أرض الواقع ويصل لدور السينما .
وذكرت قصيدة من مجموعتها الشعرية بعنوان " مراسل " هنا ولِدنا وبين قصائدِ الشمس كبرنا ... على كنف ِ الظلال تفيأنا يسافر معنا هذا الفضاء إرثاً منقوشاً على أكُفِنا لم يأتوا ليملأوا بيوتنا سلاماً وقصائدَ ... ولم يشاركوا مهرجاناتنا لنزدادَ فرحاً ومحبةً ... هذا حُلمنا ظَلَّ الطريق ... ومن أمامهِ مرت السنين لم يقاتلوا ... من أجل شجرة اللوز على جدار بيتنا ولا من أجلِ .. معلم ٍفي مدرستنا .. ولا لورقة تين هاربة من حقلنا لم يأتوا ... بنورِ للعميان كما قرأنا ولا مقاعدَ رمادية كما سمعنا كان هنا .... كان يغني في الأمس ونايه سمعتُ صوتهُ حزيناً يطربُ السماء و معها الشمس يعلم سنابل القمح وحدها الرقص كان عازفَ كمانٍ على مسرح الضوء يحلق في العلا ... مثل طفلٍ متعبٍ يهمس همس ... ومن تلك الشموس فر وغاب معه اللون و مقطوعة الرقص والجمال والرصيف ومعه الأمس ....
في الختام وجهت بضع كلمات للجيل الشاب الذي ينبض بالحياة وقالت : إذا أردت أن تطلق العنان لذاتك في عالم الكتابة ، عليك ببصمةٍ تشبهك أنت تشبه ذاتك أنت ،لا أحد غيرك فبذلك تكون حققت جزءاً من رسالة وجودك على الأرض بأن تكون أنت.
ونطقت بقصيدة من ديوانها بعنوان "هناك ملامحي" :
تحتَ خيمةِ نورهِ ننتظرُ الإلهَ البعيد ليجمعُنا بزرعِنا الملثمِ بالغياب وبيوتنا المحفورةِ في وجه السحاب وقنديلنا والزيت وحكايا جيراننا وفرح الريح على باب البيت هناك ... تركنا صيفاً يلعب أطفالنا مع شمسهِ هناك لنا حكايةٌ سمراء لنا خيمةٌ وحقلٌ وصدى وصوت لنا هناك بيوتٌ معتقلةٌ تحتَ الفضاء ولنا فضاءٌ معتقلٌ بين البيوت أتعلم ...؟ كان لابدَّ من ذلك الليلِ حتى نعيش دقيقةَ الصمت كان لابدَّ من غيمٍ وفيٍّ حتى نبقى على هذه الأرض لقد أضعنا الطريق يا أبي ومن ضوءٍ إلى منفى وصلنا.
يذكر أن سلّام من محافظة السويداء ، تعمل في مجال الصحافة و الكتابة ، عضو مشارك في إتحاد الصحفيين السوريين ، وحاصلة على شهادة دبلوم في التأهيل الإعلامي ، كانت أول تجربة كتابية لها في عمر التسع سنوات وهي عبارة عن جمل عفوية لا يمكن تسميتها شعراً في ذلك الوقت ، إنما تجربة طفولية لطيفة مازالت غافية في ذاكرتها ، بالإضافة لكتابة بعض المسرحيات البسيطة عن الأطفال، كما أنها تمتلك موهبة في الغناء والرسم .
ملك محمود