أوراق سعدالله: نفحات وجدانية ..ومصداقية بوح بقلم الدكتورة الشاعرة مها قربي
قرأت أوراق "وجع سعدالله" فإذا بها نفحات وجدانية مرسلة " وبذلك وصفها أيضا د. جورج جبور في تقديمه للكتاب ص 7 " قلّبتها وأمسكت بالصدق القابع في حروفها وذاك الشغف النابض بإيقاع الإنتماء الأصيل، فأوراق سعدالله هي أوراق السوري الأصيل الوطني الذي حمل جروح وطنه النازفة وحوّلها نجمات من كلمات وعطاء ويقين " مع الفجر اجتزنا الحدود ، انتعشت النفس ، دخلنا الربوع ، وربوع الشام على موعد فجر نصر يتعزز ص 31 ".
روح الكاتب الشفيفة قدمت سرداً مرئياً ، كما كاميرا تصور الأماكن وتلتقط كل ما يدور فيها بحميمية صادقة وإلفة وادعة ، كان السرد محملاًبعبق التراب وحبّ الوطن والعائلة والناس ، فجاءت أوراقه خضراء كما روحه اليانعة ، " ولكنها ليست أوراق من وجع الغربة ،بل هي أوراق اعتماد لسفير يقدّم أجمل صورة عن وطنه ،فمأروع أن نختصر كل الحب بوطن.
بلدة ،، صدد ..وحكايتها ص 38 ،، كما كل بقعة في سورية توجعت، ولكنها لازالت تحتفي بالخلصاء والأوفياء من أبنائها ، قد يكون قدرنا أن نصاب بسهم الغدر،ولكننا ننهض كما الفينيق من تحت الرماد لنحلق ونغني للشمس للأطفال وللحياة . كم أسعدني هذا الفيض الجارف من المشاعر المخلصة والوفية ، " أحنّ إليك ..فربما نسوا ..وربما تناسوا ..أنهم راكموا فيك الحنين ص 44 " كن على يقين ،رغم القهر ورغم الموت ،نبقى ذاكرة التاريخ ومتن حضارته الأولى ،ونبقى حاضرة الأمة ،نعلن أنّا لن نركع ..الوطن ليس قلادتنا الوطن هو القلب النابض فينا ولا يرحل…وهذا ما ارادته أوراق سعدالله في ثنايا كلماته وسطورها.. أما أسلوب الكاتب فأخذني إلى جبران وإيليا أبو ماضي، لقد كان نثراً قريباً جداً من أدب المهجر ببساطة المفردة والتعابير المفعمة بالمشاعر وبالمحبة والحنين ،وهذا ينسجم مع مصداقية البوح حيث النصوص ترجمة لأحاسيس الكاتب الشفيفة " يامن تضيؤن شجرة الميلد ..في ساحة حارتنا العتيقة .. ماذا لو كنت معكم ..لأستعيد طفولة وذكريات …معكم تدمع عيناي فرحا .. وقد هجرته بدموع الأسى على نزيف وطن..،ص 56 " وقد جاءت محملةً بصور مكثفة ومتسلسة تجسد معاناة الغربتين :الغربة في الوطن والغربة في البعد عنه . ولعل اتباع أسلوب التتابع السردي بعناوين استهلالية لمضمون كل منها ، ساعد في الكشف عن الفكرة والغاية التي قصدها، وقد جاءت على شكل مناجاة ذاتيةٍ قابلةٍ للتعميم ، فهي حالة كل سوري عاش آلام الحرب وتأثر بنتائجها.
أسلوب سعدالله السردي ، يعتبر مشابهاً لما يسمى بأدب الرحلات ،حيث كل مجموعة تصف المكان والأحداث ، وتجسد حالة شخوصٍ بعينها موجودة فيه ، وقد حرص على نقل حالة التأثّر والتفاعل والتأثير، كما حقق بافتتاحية كل مجموعة ما يلائم ذلك، فاختياره لبعض المقولات أو المقاطع الشعرية للافتتاحية شكل عامل جذب تعريفي لما ذهب إليه.