التربية والشعر : توأم عطاء … بقلم سعد الله بركات …
مريم كدر : على رصيف الحلم والنصر…
بينما يقل محترفو الأدب ،نسبة إلى مزاوجة الإبداع الفكري والعمل ، تظهر هذه المزاوجة على نحو أوضح في الوسط الصحفي ، كما أشرنا في المقالة السابقة ( توأم الصحافة والإبداع ) ،وقد سهوت بأسف عن ذكر زميل الجامعة والمهنة الصديق الأثير ،،حيدر علي ،، الذي فارقنا مبكرا ، قبل أن يرتوي ، أو يروي ظمأنا من قيثارته الشعرية .. لكن المزاوجة الإبداعية تراها على نحو أعم في الوسط التربوي ، فالعلاقة بين التربية والشعر، تكاد تكون استثنائية في تشابكها ، أو تشابهها ، و في تميزها عن كل ضروب الإبداع الأدبي والفكري ، تراها وشيجة ومتكاملة ، من حيث الأداء والهدف ، أو من حيث القيمة المضافة من كل أو لكل منهما. فإذا كان المعلم ، الشمعة التي تحرق نفسها ، لتضيئ الطريق للأجيال ، فإن الشاعر ،هو الشعلة المتوهجة في مطاردة العتمة من النفوس والعقول، كيف لا والشعر يجهد إلى خلق عوالم من حلم وابتهاج ، وقيم توادد وخير بين الناس ، خاصة ، حين أو حيث تتعرض منظومة القيم الإنسانية لمزيد من الاستهداف .. ولئن تساءل البعض عن الدور التربويّ الذي يُمكنُ أن يَضطلع به الشعر؟ فثمة من يؤكد وبالقطع وظيفة الشعر التربويّة ، معتبرا ((الإبداع وسُبُل امتداداته التثقيفيّة والتربويّة ، تَنْبَني على وَعْي بالإمكانات التي يُتيحُها الشعرُ في بناءِ شخصيّة الفرد، وتحصينِه ثقافيّاً، وتأهيلِه لاستيعاب حَيَويّة الخيال في تصوّر الحياة )). و إذا كانت المدرسة من الفضاءات المُنشغلة بسُؤال العلاقة بين الشعر والتربيّة ، فهو انشغالٌ يَطالُ كلَّ سنوات التحصيل. ، و يَطرحُ علاقة المدرسة بالمعرفة الشعريّة، و يستولد بالتالي أسئلةً ترتبطُ بحَيويّة الشعر في ثقافة المتعلّم، وتجسير المَسافة بين الشعر والتربية. ولهذا لا غرو أن يطوف معلمون كثر، أدباء في رحاب الإبداع وفي الشعر خاصة ، أمثال عبد المعين الملوحي ، حنا عبود ، يوسف حنون ،صالح هواري ، عادل وجورج ناصيف ، تامر بجور ، ثراء الرومي ، أمجد نعيم ،منى أبو شاهين…، وصولا إلى ابراهيم طوقان و طه حسين … إنها ثنائية محببة ولافتة ، على نحو مانراه من مزاوجة راقية بين مدرّسة اللغة الشاعرة مريم كدر … حين صدرت مجموعتها الشعرية الأولى ،، جنون حلم ،،عن دار،،هدى ،، بحمص .٢٠١٩ ، فتحت ابنة بلدة صدد ، آفاقا واعدة أمام الناشئة ، ولاسيما تلامذتها وبنات جنسها خصوصا ، فأن تقرأ لشاعرة من جوهرة الصحراء كما وسمتها عنوانا لمقال ، أرادته مريم تكريما لرواد البلدة ، يعني أن العقول كما نجحت في تحدي قحط المناخ ، تجاوزت هذا الزمن الصعب من كورونا ومن حرب ، فأينعت تفاؤلا واستمرارية عطاء ، وهاهي تغرف من واقع حنين وبعاد ، بإحساس مرهف ، كما لغتها ، وسلاسة عباراتها ، محمولة على جرس بلاغي ، وهي تجهد لفتح (مدن الفرح المغلقة ) : انتعلت قلبي وعبرت دروب الضياع … أبحث عن مدائن الفرح .. وعندما وصلت… وجدتها قد أغلقت أبوابها فمن أغلق مدائن الفرح ؟؟!! من أفرغ الصباح من الصباح ؟؟!! وما أن تغادر مريم كدر ،،جنون حلم ،، مجموعتها الآنفة ، حتى تراها ،، على رصيف الحلم ،، في قصيدة جديدة : على رصيف الحلم نامت حكايا المحبين تعلقت على ستائر الشوق أناشيد الهوى ………....... لملم نيسان بقايا قمره ورحل في مواكب الضباب وشيعت النجوم الورد صلى المطر خلف جنازته عازفاً لحن الفراق الحزين ومن يومها والعشاق يتبادلون وروداً ميتة….لا حياة فيها….. ولقصائدها شؤون وشجون ، فهي تعزف على أجراس الذكرى ، كما في أحدث إبداعاتها : أودعت ذكراك في حقائب النسيان وأودعت معها شظايا الفؤاد المكسور والفرح المهجور وفي كل صباح….تقرع أجراس الذكرى داخل رأسي المتعب….وتصرخ حنيناً إلى الماضي البعيد …. وتلوينات قصائد مريم ،تتجاوز الموضوعات ، إلي الشكل ، فقد أجادت القصيدة العمودية ، عبر شجن خاص يطال عديدين : عبدت روحك بعد الرب ياولدي يا ضوعه العطر يا أحلام نسريني… واليوم في البعد يا شمسي ويا قمري. تمضي الليالي وشمس الهجر تكويني … لكن ذلك لا يغيب الهم الوطني ، ومآل الصمود في الحرب التي استهدفت البلاد والعباد : بلج الصباح جلا السواد بنوره فعلى ضفاف الفجر زهرٌ أنضر عن نصرنا تحكي الليالي سيرةً فالكتب تروي واليراع يسطّر نحن الأشاوس لا نهاب منيةً و قناتنا في الحق لا تتكسّر ولعل في جديد الشاعرة ، ما يشي إلى أنها ستتحف القراء بمجموعة جديدة من إبداعها.