2024/04/25 -
أيام على النشر

الجيل اليوم بين العادات والتقاليد والعولمة!

الجيل اليوم بين العادات والتقاليد والعولمة!

تحقيق: محمد قاسم الساس

تعرف العادات أنها نمط من السلوك أو التصرف المعتاد، يتم فعله مراراً وتكراراً دون جهد.وهي أعراف يتوارثها الأجيال لتصبح جزء من اسلوب حياتهم، وتستمر ما دامت تتعلق بالموروث الثقافي الخاص بالمجتمع.

أما المقصود بالتقاليد فهي مجموعة القواعد التي تنظم السلوك الإنساني داخل المجتمع، وهي تنتج عن اتفاق أفراد المجتمع عينه، وتستمد قوتها منه، وتدل على الاحكام المتراكمة التي مر بها المجتمع، عبر تناقلها من الخلف إلى السلف، جيلاً بعد جيل، لتكون بمنزلة النظام الداخلي لمجتمع معين.

وبالرغم من الاختلاف بين مصطلح العادات والتقاليد إلا أنهما يرتبطان معاً، بشكل متلاحم، فالعادات والتقاليد تحدد هوية المجتمع، وتعطيه تلك الصبغة الخاصة، التي يصطبغ بها، إذ لا يمكن ولا بأي حال من الأحوال، تجاوز أو تجاهل وجود هذه الأمور، التي تسيّر النّاس في الكثير من الأحيان، من خلال أنماط معينة لا يحيدون عنها.

حيث تتمسك جميع المجتمعات بعاداتها وتقاليدها المتوارثة، والتي تميزها عن غيرها من المجتمعات البشرية الأخرى. فما هو مألوف ومحبب ومتعارف عليه داخل مجتمع معين قد يكون أمراً غير محبذ في مجتمع آخر.

تقسم العادات والتقاليد عادةً إلى قسمين رئيسيين: الأول يتضمن العادات والتقاليد الحميدة التي تساعد على توطيد أواصر الترابط والتلاحم بين الناس في المجتمع الواحد، بحيث يكون المجتمع قادراً على أن يرمم نفسه بنفسه، دون الحاجة إلى أدوات خارجية.

أما القسم الثاني فيتضمن العادات والتقاليد السلبية التي قد تلحق الضرر بفئات عريضة بالمجتمع، بسبب هضمها لحقوق هذه الفئات، وتكثر مثل هذه العادات عادة في المجتمعات المتخلفة، التي تتمسك بهذا الجهل، كونه يعد بمنزلة طوق لنجاتها، مع أنها في حقيقة الأمر طوق خسرانها وهلاكها.

ما يميز مجتمعنا العربي الأصيل عموماً، وبلاد الشام خصوصاً، هو الشهامة والعنفوان وفعل الخير، أو كما يطلق عليها بالنخوة والفزعة والحمية، وهذه عادة وتقليد متأصلة بمجتمعنا، وتميز شخصية الأنسان العربي عن غيره، حيث تبدو عادة الشهامة بشكل واضح في حملات التبرع، والجمعيات الخيرية، والمساعدات الاهلية، بغض النظر عن انتماءاته المختلفة. وتبقى عادة الترابط الأسري في المجتمع العربي من أكثر العادات التي يتفوق بها مجتمعنا الشامي عن غيره منالمجتمعات، فالحضور القوي للأسرة الممتدة لكلفرد في جميع مناسبات حياته الهامة، تجعل الأسرة بمثابة القيمة العليا والاسمى، التي يحاول مجتمعنا العربي الحفاظ عليها. فليس ما هو اجمل من اجتماع أجيال مختلفة لأسرة واحدة ليتفاعلوا بمودة ورحمة ويتبادلوا الدعم العاطفي بشكل يشبع الحاجات النفسية الأساسية لأفراد الأسرة ويجعل كل فرد منها يشعر بالانتماء والوجود الذاتي ضمن هذا النسق الاسري. ويعتبر الكرم بألوانه المختلفة من العلامات المميزة لمجتمعنا الأصيل سواء كان الكرم للغريب او للضيف. ولا ننسى الطيبة كعادة بارزة في المجتمع العربي، الذي يعتبر من أكثر المجتمعات البشرية طيبة وتسامحاً وعفوية. كذلك نجد عادة احترام وتوقير كبار السن، من التقاليد والعادات الإنسانية السائدة، والتي يحث عليها مجتمعنا العربي، ويشدد عليها، كقيمة مجتمعية عليا. لماذا أصبح بعض شباب اليوم بعيدين عن عادات وتقاليد مجتمعهم المحلي؟ في ظل التطور التكنولوجي السريع والانفتاح الذي شهده مجتمعنا العربي نحو العولمة، اصبح التغيير يمس جميع حلقات المجتمع وانماطه المعيشية.

وبذلك اصبحنا نرى جيلين يفصلهما سنوات قليلة زمنياً، لكن الفجوة متسعة ثقافياً، مع تجاوب كل جيل لأبعاد ومتطلبات الحياة في كل مرحلة وللأخر. حيث لكل عائلة عاداتها وتقاليدها الخاصة، ولكل جيل له أيضاً عاداته وتقاليده المميزة عن غيره من الاجيال السابقة أو اللاحقة. فجيل شباب اليوم له حياته الخاصة التي قد تختلف بإيقاعها عن عادات وتقاليد مجتمعهم المحلي، والتي لا تتماشى مع الحياة المعاصرة، وبالتالي لا تتناسب مع أفكار الشباب، ولا ترضي طموحاتهم، بجعل حياتهم اكثر انفتاحاً،بينما تشجع العادات والتقاليد على الخصوصية في التعبير والاكتفاء بالحدود البسيطة التي يرسمها سقف المجتمع المحلي.

كما أن شباب اليوم شديد الاعجاب والتعلق بالمجتمع الغربي، وذلك يتجلى بإتباع صيحات الموضة الغربية، والتي قد تكون غريبة عن ثقافتنا العربية كالملابس الممزقة. ولا يتوقف الامر على اتباع طريقة الملبس فقط، بل يتعدى ليصل لاتباعهم لغات أجنبية ضمن احاديثهم اليومية، واعجابهم الصريح بعادات وتقاليدغربية. كيف ننمي عند شباب اليوم تمسكهم بالعادات والتقاليد الحسنة العربية؟ يلعب الأهل دور كبير في تربية جيل اليوم، واحترامهم العادات والتقاليد، فالانغماس الزائد وراء وسائل التحضر ومجاراتها، وسوء استخدامها، له دور كبير في ابتعاد الشباب عن عادات وتفاليد مجتمعنا. خاصة مع نمط العيش السريع وتغير نمط الحياة أصبحت الكثير من المفاهيم ضبابية المعنى، وهناك العديد من العادات والتقاليد يصفها البعض بالقيد، الذي يحد من حرياتهم، والسبب في ذلك، هو عدم تفرقة الشباب بين ما هو دخيل، وما هو أصيل، وبين ما هو سلبي، وما هو ايجابي. والأمثلة في ذلك كثيرة ضمن منصات التواصل الاجتماعي، التي قد يستطيع الفرد من خلاله أن ينعي وفاة أحد أقاربه، فيقوم الآخرون بإرسال تعليق حزين بغرض تأدية الواجب، خلافاً للعادات والتقاليد العربية الاصيلة، التي تنص على الذهاب لمنزل المتوفى، وتعزية أفراد أسرته بشكل شخصي، للاطمئنان عليهم، وتقديم الدعم والمساعدة اللازمة. وإن زيادة الوعي والثقافة بأهمية وفائدة العادات والتقاليد الحسنة، يسهم في بقاها، ويحفظ استمرارها. كما ينبغي الحديث عنها بلغة معاصرة، بحيث يتمكن شباب اليوم من ادراك اهمية اثرها في ترابط المجتمع العربي ، والحفاظ على هويته. فكل ما هو يتعارض مع أصالة هويتنا العربية، ويمحي ثبوتيتها، هو أمر سلبي بالتأكيد. أما العادات والتقاليد المكتسبة الجديدة، التي لا تسيئ لثقافتنا، ولا تتعارض جوهرياً مع مبادئها، فهي ايجابية لا محالة. فالتطور لا بد منه، والتغير الايجابي، هو أمر محبب، ومرغوب به، طالما لا يتعارض مع الأهداف العميقة والأصيلة. طرق الحفاظ على العادات والتقاليد الإيجابية: الأسرة: كونها المعلم الأول والأقدر على الحفاظ على منظومة العادات والتقاليد الإيجابية في المجتمع، وذلك من خلال نقل هذه العادات من جيل الآباء إلى جيل الأبناء، ومن هنا فإنّ ذلك سيعمل حتماً على انتشار هذه العادات وعدم اندثارها، والحد من التأثيرات الضارة للعولمة، ومن هنا فإنّ مهمة الآباء في هذه الأيام أعظم وأخطر من أيّ وقت مضى، فهم مضطرون إلى الجمع بين فوائد التقنيات والوسائل الحديثة في الاتصال، وبين الحفاظ على العادات والتقاليد الحميدة الموروثة. المدرسة: يمكن من خلالها أيضاً الحفاظ على القيم، وذلك عن طريق غرسها في الطلبة منذ الصغر، وتعليمهم الثقافة الأم، قبل تعليم الطلبة الثقافات الأخرى، لهذا فإنه من الإجرام -على سبيل المثال- أن يتم تعليم صغار الطلبة في المدارس العربية اللغات الأجنبية قبل اللغة العربية الأم. الإعلام: من خلال الاهتمام بما يبثه من أفلام ومسلسلاترسوم متحركة، فالأفلام والرسوم المتحركة المستوردة قد تحتوي على ما يناقض عادات المجتمع وتقاليده، لهذا فإنه ينبغي الاهتمام والتركيز على تقديم برامج، وأفلام، ومسلسلات رسوم متحركة محليّة، تبث القيم الحميدة، وبنفس جودة الأجنبي، ويجب أن يكون ذلك من أولى الأولويات من أجل الحفاظ على الجيل الناشئ، والعادات، والتقاليد المجتمعية.

مواضيع ذات صلة

أدب وثقافة

السيرة الذاتية للكاتب الإعلامي سعدالله بركات

ما بين الإذاعة والتلفزيون ، 37 عاما ويزيد ، كانت سنوات عمل وحياة ماتعة ، وقد تمازجت مع الكتابة الصحفية امتدادا بعد التقاعد ، لتجربتي على تواضعها

أيام على النشر

أدب وثقافة

أوراق سعدالله: نفحات وجدانية ..ومصداقية بوح بقلم الدكتورة الشاعرة مها قربي

قرأت أوراق " وجع سعدالله" فإذا بها نفحات وجدانية مرسلة " وبذلك وصفها أيضا د. جورج جبور في تقديمه للكتاب ص 7 " قلّبتها

أيام على النشر

أدب وثقافة

من ضفاف النيل: لعيني دمشق يغنّي الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد

لعيني دمشق أغني لعيني دمشق حنيني القديم بعمر الدهور بصدري يقيم

أيام على النشر
أيام على النشر
أيام على النشر
أيام على النشر
أيام على النشر
أيام على النشر

تابع أحدث التحديثات

احصل على نسختك الجديدة من المجلة
فقط قم باضافة البريد الالكتروني الخاص بك