الشغف هو القوة الكامنة في أعماق الإنسان التي تحركه باتجاه إنجاز ما يحبه، مثيرة حماسه وعزيمته، لينجز من دون أن يشعر بكلل أو ملل، هي المحرك لكل الطاقات الدفينة فيه، فتكسبه السعادة والفرح، وتهبه الاستمرارية حتى لو واجه معضلات تعوق سيره، وتجعله مقبلا على يومه نشيطا متكامل القوة، لأن كل دقيقة في الحياة هي صناعة للمستقبل الذي نتطلع إليه ، من هنا كان البصيص الذي انطلقت منه قامة إعلامية نفخر بوجودها وحققت بصمة لا تنسى ، وللحديث أكثر عن هذه القامة الإعلامية التقت "مجلة زهرة السوسن " برئيس دائرة المجتمع في جريدة الثورة وعضو عامل في اتحاد الصحفيين الإعلامية غصون سليمان وكان لنا معها هذا الحوار.
الدعم الحقيقي ينطلق بالأساس من ذات الشخص وقدرته على الفهم والإدراك لمعطيات التداول المتحركة من حوله، وأيضا من المحيط الأسري الذي يعيش فيه، فعائلتي أسرة متفهمة ومنفتحة وهناك إحترام كبير للأنثى والأخت والابنة ، فلم أشعر يوما بتلك النظرة التقليدية للعادات الموجودة ،التي تحاصر الفتاة بواجبات وأدوار يجب أن تقوم بها الفتاة مجبرة دون غيرها في بعض بيئات المجتمع، كنا نتشارك أنا وإخوتي في العمل والمنزل وفي الأرض ونتقاسم قراءة القصص والروايات الشهيرة، لم يكن هناك تمييز في التعامل بل أكثر ماكان يجمعنا هو الصداقة، وألفة الروح واحترام الرأي والخصوصية وتقدير الشخصية بحسب ما قالته "سليمان " في بداية حديثها "لزهرة السوسن".
وتابعت في ذات السياق: كانت سعادتنا تكمن بمن يأتي بكتاب قيم أو رواية مشهورة لكتاب وأدباء عرب وأجانب إلى فضاء المنزل، لاسيما في المرحلة الإعدادية والثانوية وكيف نتسابق لقراءته وتلخيصه أولا، فيما والدي رحمه الله كان يراقبنا عن بعد فيما نقرأ ونعمل ونتصرف، وإذا ما أخطأ أحدنا، وحصل موقف غير مستحب في جدال ،أو سلوك فيما بيننا داخل البيت أو خارجه يدعونا مباشرة لجلسة حوار بشكل غير مباشر، ودون أن يشعرنا بما اختلفنا عليه ، بل كان يفتح النوافذ أكثر فأكثر عند كل نقطة وفاصلة توقفنا عندها ، وبالتالي كان الحوار كفيلا بأن يهزم كل المخاوف والقلق التي علقت ببعض التفكير أكانت خاطئة أو صائبة.
وأثناء سؤالنا لها عن كيفية التوفيق بين حياتها الشخصية وعملها ؟
أجابت بالقول: التوفيق هو من الله عز وجل الذي يمنح عباده القوة والصبر ، ولطالما عشت في أسرة دافئة مكافحة تعتمد العلم والعمل بعيدا عن التعقيد هنا وهناك ، وفي محيط اجتماعي من جيران وأصدقاء وأقارب، ما جعل من تكوين الشخصية حالة لا تعرف الملل ،أو حتى التعب، وأكثر ماكان يسعدني أن أكون موجودة في اللحظة التي يحتاج فيها الآخر لأحد لمد يد العون ،والمساعدة لبلسمة جراح مريض ، أو رعاية مولود في العائلة، أو مرافقة أحدهم لقضاء حاجة ما ، وبالتالي الشخصية هنا لم تتعارض مع عملي المهني ، فالصحافة هي مهنة أخلاق قبل كل شيء معيارها الانسان والمجتمع للبحث بكل تجارب الحياة الإيجابية والسلبية ، فعلى الإنسان أن ينظم وقته كما لو أنه يرسم لوحة بعدة ألوان مبتكرة، أو يزين طبق طعام أعدته ربة المنزل لضيوفها ، فالتنظيم والرغبة بالعمل كفيلان بتحديد الأولويات ،وانجاز الواجبات الحياتية والمهنية .. وبكلمة أدق يمكن القول من أحب، ويحب عمله ويدرك قيمة ما يقوم به، لعله يمتلك مفاتيح التفاؤل والقدرة على إنجاز المستحيل، وخاصة في هذه الظروف بعيدا عن عبارات اليأس المؤدية للإحباط والبحث في المجهول.
صعوبات
وأشارت "سليمان " القول: في ميدان العمل يواجه المرء صعوبات شتى، وأهمها الحصول على المعلومة من مصادرها الصحيحة، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بتحقيق إقتصادي ، أو إجتماعي ، أو خدمي يهم الشأن العام ، وفيه كثير من اللغط والفوضى، فأي لون من ألوان الشكوى، أو الفساد بكل ما تعنيه الكلمة يحتاج إلى "الأدلة والدقة والوضوح والمصداقية في المعلومات والوثائق عند امتلاكها" وأكثر ما كان يبدد تعبي وهاجسي بأن أكون على مستوى المسؤولية المهنية والوطنية كلما أنجزت تحقيقا أو موضوعا يهم الشأن العام ، ويلاقي صدى واهتماما لدى الجهات المعنية لتسارع بدورها إلى معالجته، والبحث في تفاصيلة بشكل إيجابي وهذا ما حصل أكثر من مرة أيام "الصحافة الورقية " قبل أن تتحول إلى إلكترونية، فأجمل العمل أن تكون مرآة شفافة تعكس رغبة المجتمع ومصالحه وتساهم في حل مشكلاته بطريقة إيجابية.\
"نقطة تحول"
وتابعت سليمان حديثها بالقول: لعل أهم خطوة قمت بها في حياتي حين أخترت مجال الصحافة الذي احب وأعشق، فهذا العالم الواسع مليء بالطموحات والرغبات والآمال ، فمازلت اذكر ذاك اليوم وتلك اللحظة بعد نجاحي بالثانوية العامة وأتيت إلى العاصمة دمشق لأسجل في الجامعة، حين مرورنا بالدوار الجنوبي من دوار كفرسوسة موقع مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر "جريدة الثورة " اذ لفتني تصميمها المعماري قلت في نفسي: هل سيأتي ذاك اليوم وأكون واحدا من رواد هذه الصحيفة، إذ كانت هاجسي الأول أن أمارس العمل في مجال الصحافة والإعلام، رغم أنني اجتزت الامتحان العملي والشفهي لفرعي التربية وعلم النفس، والعلوم السياسية بتقدير ممتاز، لكن "مهنة الصحافة" هي من تملكني وعصف بداخلي منذ الصغر لأجتاز الدروب، وأتجول في مساحاتها وميادينها حين سنحت الفرصة، ودخلت محراب مزاولة المهنة -في صحيفة الثورة منذ تاريخ ١١-١١-١٩٩٤ ،وبعد فترة وجيزة تم التثبيت من خلال المسابقة عام ١٩٩٦ ،وهذا التاريخ له في نفسي عميق الأثر.
المستقبل
وبينت خلال حديثها الشيق قائلة: أرى نفسي في بلدي، ومدينتي، وقريتي، وحارتي ، بين ناسي وأهلي وأصدقائي، في العمل وأنشطة الصحافة التي لا تتوقف كلما ازددت شغفا فيها أبحث عن المزيد..المستقبل أن تكون ناجحا ، وراضيا فيما تقدمه على بساط المجتمع، وتزينه بضمير حي يعيش وجع الواقع في ال "نحن" ويسعى لعلاجه بحبر المسؤولية وكاف الخطاب، ومد الجسور مع جميع المعنيين لتشريح المعاناة ، وإيجاد الدواء المناسب لعلاجه بحبر المسؤولية وكاف الخطاب ، ومد الجسور مع جميع المعنيين لتشريح المعاناة ، وإيجاد الدواء المناسب لعلاج مشكلات حياتية، بعضها استطال ولابد من فعل "الكي" كما يقال.
الإعلام الالكتروني
وفيما يتعلق بالاعلام الإلكتروني قالت: هو منجز الحضارة البشرية ، وعصارة عقل الإنسان المبدع في كل الميادين على مستوى جغرافية الكون ، وربما يكون من أخطر المنجزات العلمية وأهمها ، فلا أحد ينكر اليوم دوره في منافسة الأسرة والمدرسة والمجتمع في تربية الأبناء والأجيال وقدرته على سبر سيسيولوجيا المجتمعات ثقافيا ، واجتماعيا والتأثير فيها كما ترغب أدوات القوة والسيطرة على منابع الإعلام ، وهو بمثابة الطعام والشراب والدواء لايمكن الاستغناء عنه اليوم ، لطالما قرب المسافات، وفتح نوافذ المعرفة بكل اتجاهاتها، و سهل الكثير من الأعباء على صعيد التواصل والتعليم والتجارة وعقد المؤتمرات والندوات عن بعد عبر نافذة زوم ، فمن وجهة نظري هو "رأس الهرم " في سلسلة تعدد مهام الإعلام التراكمي إذ من غير المحبذ أن نقول إعلام قديم أو تقليدي وحديث، لأن جوهر الإعلام وغايته واحدة من ناحية التأثير على الأفراد والمجتمعات، لكن المتغير هو الأدوات والوسائل وكيفية توجيهها إيجابا أو سلبا، وخاصة في ظروف الحرب والجوائح والكوارث ، لعله نقلة نوعية في حياة البشر وسلاح ذو حدين، حيث النفع هنا يعود لحسن الاستخدام والإستثمار في الفضاء الأزرق ، والعكس صحيح وفي سياق الحديث وعند سؤالها عن خطأ الجيل الإعلامي الحديث؟
فأجابت بقولها: علينا ألا نطلق هكذا تسمية على جيل هو ابن التقنية الحديثة ، أو أن نقول خطأ أو صواب أو فشل ، التطور العلمي يفرض شروطه على كل مناحي الحياة، وفي مختلف المراحل كافة ،حيث تحتاج البشرية وتلبي طموحها العلمي، وبالتالي هذا الجيل يحتاج إلى سياسات تربوية وتعليمة على مستوى المنظومة المؤسساتية، ولنكن صريحين في هذا السياق لولا الحرب العدوانية على بلدنا سورية، وممارسة كل أنواع الإجرام والإرهاب والتخريب لرأينا سورية قد قطعت شوطا كبيرا في مجال التنمية بكل مسمياتها ،ومنها التطور التقني حيث العقل السوري مبدع ومخترع والمهم أنه وطني، ومنتم ومسؤول وقادر على تحمل الصعاب، وخير مثال على ذلك ما قام به الجيش الإلكتروني السوري الذي عماده الشباب أثناء الحرب العدوانية الارهابية القذرة بغض النظر عن بعض الشواذ، والذي كان له الدور والأثر الكبير في فضح أساليب التضليل والتوعية وكشف الحقائق ، وهذا المثال جزء من كل.
وبالتالي يمكن القول أن تداعيات الحرب فرضت سلوكيات سلبية جدا ، وفوضى متعددة الأذرع انخرط فيها الجيل بشكل وآخر خاصة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتراجع دور الأسرة وايضا المدرسة، وحتى مؤسسات المجتمع التربوية والتعليمية لظروف قسرية قاهرة نعلمها جميعا ، لذلك من المهم جدا اليوم العمل على تعبئة الجيل بكل مقومات الحضور ، والحياة وأهمها العيش الكريم، وتأمين بيئة عمل مناسبة علميا وصحيا واقتصاديا واجتماعيا تحفز طالبي العمل الإنخراط بسوق العمل، وتقديم ما يلزم مستقبل سورية من كفاءات وخبرات وطاقات ومقدرات ، فرأس المال البشري السوري هو الكنز والثروة الحقيقية داخل البلاد وخارجها، ففي كل بقعة أرض في هذا الكون هناك بصمة سورية بالفن والرياضة، والعلوم، والثقافة، وغيرها الكثير.
وفي الختام توجهت "سليمان " بالشكر والعرفان بالجميل لكل من يسعى بنشر الشذى والعبق الطيب بلغة الأدب والفن والرفاهية وأن يتفتح مع كل حرف برعما معطرا بأدوات الأحبة وكما قال باولو كويلو : - من بين كل أسلحة الدمار التي اخترعها الانسان يبقى الكلام السلا ح الأخطر والأقوى. - الهزيمة والفشل جزء من الحياة، اذا لم تهزم أو تفشل فأنت لم تتعلم .. فمن لا يتألم لا يتعلم. مطالبنا أن نبقى على طريق الحق والصواب ونمتلك سلاح المحبة والتسامح والعمل الصادق.
يذكر أن الإعلامية غصون سليمان حاصلة على إجازة في الإعلام جامعة دمشق، مارست المهنة ما يقارب العام في المكتب الصحفي بمحافظة حماه ،وشاركت بالعديد من ورشات العمل التفاعلية التي أقامتها وتقيمها وزارة الإعلام "مديرية الإعلام التنموي والهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وغيرها ،وهي عضو لجنة المرأة العاملة باتحاد عمال دمشق"مجموعة الاعلام" ،وشاركت بحوارات تلفزيونية واذاعية حول قضايا المجتمع بقناة السورية.واذاعة دمشق..وإذاعة صوت الشعب سابقا ،حائزة على جائزة الصحافة الاستقصائية بالتشارك مع الزميل العزيز بسام زيود ،وعن تحقيق حكاية الحبل والخروف ويخص بعض التجاوزات في قطاع النفط لسنوات خلت قبل الحرب العدوانية على بلدنا ،كما حازت على جائزة اتحاد الصحفيين للعام ٢٠١٩ م دورة الجولان لمقالة عن الشهداء عنوانا " في حديث الصبر والعبرة."
ملك محمود