الفنان يولد وينشأ في إطار إجتماعي معين له تذوقاته الخاصة، والحقيقة، أننا لا نستطيع عزل الفن عن البيئة، لأن كل منهما يؤثر بطريقته على الآخر، فالفنان شخص يمتاز بسرعة التقاطه وتفسيره لما التقطه، ومن جهة أخرى فهو لا يشبه الشخص العادي انطلاقا من كونه يختلف عن الآخرين بطريقة إحساسه بالجمال، والحال أن الفن هو إبداع وهو صادر عن الروح البشرية بكل أشكاله وتعبيراته الجمالية، قديما وحتى عصرنا الحاضر، فهو مهم للتعبير والتفاهم بين أطياف المجتمع بكل إتجاهاتها وأبعادها المعرفية، وهو الأساس على قيام الحضارات الإنسانية بما تمثله من إبداعا" فكريا" وجماليا" على مختلف الاتجاهات الدينية والأدبية والعقائدية التي مارستها تلك الشعوب، والفن هو الباعث دوما على القدرة الخلاقة على إبتكار الجميل والممتع الذي يعبرعن تفاعل الإنسان مع بيئته، لتقديم رؤيا جديدة سواءً كان رسما أم نحتا أم مسرحا أم موسيقى، فالابداع هو الثورة على القوالب الجاهزة والبحث المستمر عن العطاء والفاتح للآفاق والرموز لتفسيرها بشكل يلامس قلوب الآخرين.
مجلة ( زهرة السوسن) التقت بالفنانة (النحاتة والرسامة) السورية ليلى رزوق.
انا فتاة خلقت مثل كل أطفال الأرض، ولكنها تربت في بيئة غنية بالجمال والذكاء، والعلم والثقافة، والكرم والجود، والعزة والإباء، والدأب والاجتهاد.
التي هي بيئة منزلي المشابهة لكل منازل بلدتي السقيلبية، ولكل منازل وطني الحبيب سورية، وباللاشعور انغمست في هذه البيئة الرائعة، وكل إنسان خلال مسيرة حياته سوف يقدم قيمة مضافة دون أن يعلم ذلك، فإذا كانت هذه القيمة المضافة ذات اثر إيجابي، قدرها المجتمع، واذا كانت غير ذلك سوف تتلاشى كما كل الاشياء، هذا ما أفادت به رزوق في بداية حديثها.
وقالت أيضا: كانت بداياتي بين اللعب واللهو، وبين الجد والاكتشاف، عالم جديد من الحجارة والطين والصابون والشمع والجبس، يتحول بين يدي الصغيرتين الى تحف تشبه الحقيقة، من كنائس وتماثيل لرامي القرص وفينوس وصاحبة الجرة المكسورة، والمشردة الفلسطينية مع أطفالها الصغار حيث كانوا يعيشون آنذاك في ضواحي السقيلبية، وتمثال لابولو ودفني وتمثال لآلهة الخصب السورية، تماثيل كثيرة كانت تستهويني صورها الجميلة، فأقوم بنحتها واتخيل بقية التمثال كما يستطيع خيالي اليافع، ورسمت كثير من اللوحات بقلم الرصاص وقلم الفحم.
وتابعت رزوق قائلة: أن أول من شجعني هو أهلي وإخوتي، ومن ثم الأقرباء، وبعدها شجعني أهل بلدتي حيث اسهموا بمشاركتي في أول معرض فني يقام في السقيلبية، وكان عمري لم يتجاوز الثالثة عشر، وخصصوا لي ركنا خاصا لمنحوتاتي ورسوماتي، وكان تشجيعهم لي لافتا" من فيض المحبة والاهتمام والتشجيع.
وبالنسبة لما واجهته رزوق من عقبات خلال مسيرتها الفنية، أجابت: في الحقيقة انا لا أؤمن بالصعوبات، لأنني مثابرة وعندي رضى وقناعة بأن التوفيق هو من الله وحده جل جلاله، أما من ناحية المواضيع التي تشدها هو أن تظهر رفعة المرأة وسموها وتساميها.
وفيما يخص اللوحة التي تركت أثرا كبيرا في نفسها كشفت بقولها: هي لوحة للسيدة العذراء ( سيدة البشارة)، وكان قد أوصاني عليها أحد المؤمنين وفاعلي الخير، وعندما رسمت هذه اللوحة شعرت بيسر ليس له مثيل، وعندما قدمت اللوحة لصاحبها قال لي بكل ثقة: انت لم ترسمي هذه اللوحة، فرددت عليه مقسمة بالله العظيم بأنني انا التي رسمتها، فأجابني بكل خشوع: إن السيدة العذراء هي التي مسكت يدك ورسمتها، هنا شعرت بنشوة من البركة والرحمة تنعش روحي.
أما من حيث النحت أجابت رزوق: أن المنحوتة التي تركت أثرا عندي هي منحوتة آلهة ينبوع السقيلبية، وهي إمراة بزي السقيلبية الذي يشبه زي الملكات في آفاميا وتدمر، وكانت أكبر من الحجم الطبيعي بقليل، في ملتقى فنانين سوريا في مدينة حلب الشهباء، وكانت بهجة للعين والناظر لشدة جمالها، وحضر الى الملتقى الفنان والناقد الكبير نبيه قطايا (رحمه الله واسكنه فسيح جناته)، وعندما رأى منحوتتي، قال بصوت فيه من الفخر والاعتزاز ما بث بروحي السرور: "الآن آمنت بأننا نحن السوريون من نحتنا تدمر".
وفيما يخص الطموح عبرت رزوق بقولها: كان لدي طموحا ولكنه الان أصبح مستحيلا، كنت أود أن أبني صالة كبيرة جدا، لتصبح متحفا صغيرا في مدينتي السقيلبية وتضم الاعمال الفنية لكل أبناء المنطقة، لذلك أتوجه بلفت النظر إلى احد متعهدي البناء في السقيلبية إذا كان باستطاعته أن يترك الطابق الأول وليس الارضي، يبقيه على الأعمدة فقط ويتبرع كل فنان بأجمل لوحاته، ومن ثم يصبح ريع الدخول إلى هذا المتحف الصغير، لصاحب البناء حتى ولو كان رمزيا.
وتوجهت رزوق في ختام حديثها "للسوسن" بكلمة للأجيال الصاعدة قائلة: تعلموا واعملوا بكل ماتملكون من طاقة ولا تعتمدوا على أحد،فالعلم والعمل هما جوهر الحياة.
ملك محمود