قناديل في زمن العتمة….كتب الإعلامي سعد الله بركات
كيف لانتذكّرهم ؟ كلّما أهلّ عام دراسي أو انتهى ! في عيد معلم أو حين يلّوح طفل أو طفلة بجلاء مدرسي ، بل كلّما جرى حديث عن علم وتعليم ، أو استعيدت صور هاتيك الأيام ، بقيمهم وقاماتهم ، بجهدهم وتفانيهم ، هم الذين أضاؤوا الطريق ، بل وسهّلوه ، زرعوا فأينعت غراسهم ، وتوسّعت ظلالهم ،فكانوا القدوة والمثال من جيل إلى جيل…
كيف لي أن أنسى ؟ وإن تقادمت السنون ! من تتلمذت على أيديهم ، وقد غمروني بفيض جهد ومحبّة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، كانت بادرة مؤثرة ، ممّن استضافني في درس تطبيقي خلال استعدادي لفحص التخّرج من دار المعلمين ، وأفادني بنصائح هامة ، ومنها عدم استخدام كلمات أجنبية ، منذ نبّهني لخطأ استخدامي كلمة (برافو) في ثناء على تلميذ .
وكيف أنسى أيضا من بادر لتزوّيدي بنصائح وتوجيهات قبيل فحص القبول بدار المعلمين ، كما لا أنسى أحاديثه حول ملابسات انفصال وحدة سورية ومصر 28\9\1961 ، وكنّا في الصف السادس .
أمّا من أهديته كتابي الأول ، فكانت مبادرته فريدة ، وبصعوبة اكتفى بما أفاض عليّ من تحفيز معنوي..
هم الروّاد قيما وجهدا ، ولا أعني من تنكّب رسالة التعليم فقط، وإنما كل من ولج باب التعلّم مبكرا ولو قاده العمل إلى سبيل آخر ، من دون نسيان من سبقهم أو من حفزّ و دعم ماديا أو معنويا ..
أغلبهم انتقل إلى رحمته تعالى ، وكل في يمينه كتاب حميد ، من قصص كفاح ونجاح ، وها نحن نستذكرهم جميعا عبر وقفتنا هذه مع الأستاذ اليان سكّر، أمدّ الله في عمره والأحياء .. أبو فريد ، تأسرك ابتسامته وما تفيض به من مودة واحترام الناس ، كما كانت تأسرنا بلطف جديّته ، وهو يعطينا دروس الصفّ الرابع . هو واحد من كوكبة ، بل كما يقول أحد تلامذته د. عبد المسيح قرقور هم ((ثلّة أقمار ،أضاؤوا سماء البلدة ، ورفعوا سلاح العلم ماضيا ، في وجه الجهل ، فأناروا عقول الناشئة ، ومكّنوها من ولوج ميادين علم وعمل ، منهم الضابط ، والطبيب والمهندس ، والاستاذ اليان سكر واحد من هذه الثلة الذين تبّنوا تلاميذهم روحيا ، وأغدقوا عليهم معارف علم وتربية ، وبادلوهم المحبة والاحترام ،وأنا واحد منهم ومازلت على تواصل معه أمدّ الله بعمره ،كما كنت مع من رحل إلى ديار الحق )). لقد زرعوا زرعا طيبا ((ومن ثمارهم تعرفونهم )) كما يقول تلميذه الآخر د. سهيل الشيخ - نائب رئيس جامعة حلب سابقا ، حيث عدّهم : (( مجموعة مميزة ورائدة ، من معلمي قريتنا الغالية ، حملوا راية التعليم والتنوير ...... ربّوا أجيالا تمكّنت من التحصيل الجامعي ، بل والعالي و بمختلف التخصّصات .... أما الأستاذ اليان فقد عرفته معلمي في الصف الرابع الابتدائي ، و أذكره جادّا بعمله ، صارما بحنوّ ، وحريصا على توصيل المعلومات لجميع التلاميذ...رحم الله من غادر الدنيا منهم و أطال بعمر الأحياء ،و لجميعهم الدعاء بأن يجازيهم الله خيرا ورحمة ، لما قدّموا من علم ومعرفة ، وقدوة حسنة لأبناء صدد .))
والأستاذ أبو فريد مواليد 1926 ، ومع العمل وبدراسة حرة ،حصل على الابتدائية 1949، والإعدادية 1951، عيّن معلما في صدد ، نال أهلية التعليم 1957 ، ندب 1967 لعام واحد ،معلما في مدارس المحطة الثالثة لأبناء العاملين في شركة نفط العراق ، كما انتدب موجها 1971 في الثانوية حتى تقاعده ، وفي سجلّه العديد من الثناءات من مديرية تربية حمص ، بناء على تزكية مفتشي التربية الذين تابعوا جهوده التعليمية وجدارته التربوية . ومن نشاطه الفكري والاجتماعي ، فوزه في انتخابات ،،الاتحاد القومي ،، 1959 ، وتعيينه أمينا للسر في لجنة وحدة صدد زمن الوحدة مع مصر ، فضلا عن دوره مع المرحومين زميله عبداللطيف عبداللطيف أبي رياض، ومطانس مواس أبي نعيم وآخرين ، في تأسيس فرع الشباب لجمعية ،، نور الإيمان ،،باسم جمعية ،،زهرة الشبان ،، 1940
عبارات الشكر تخجل منهم ، فكيف ترتقي إليهم ! وهم أكبر منها ، فإلى كل من تعلّمت منهم كيف أخط ّ أوّل حروفي ، وكيف أصوغ أفكاري ،فلهم تحية عرفان مع وافر الامتنان .
من مخطوط كتاب عن صدد