الصحافة الإلكترونية وفي ظل التطور التكنولوجي للإعلام الرقمي وتحول الإعلام العالمي إلى ساحة رقمية لنقل الأخبار ،وتلقي المعلومات ،ولا سيما بعد أن تحولت وسائل التواصل الإجتماعي إلى مصدر أساسي للمعلومات عند شرائح المجتمع كافة ،فهل يلغي الإعلام الجديد الإعلام الأخر ،من وجهة نظري لا أحد يلغي الآخر .. للإعلام قدسيته بغض النظر عن الطرق والوسائل ،ولكل عصر تقنياته وتطوراته ، وللحديث أكثر عن هذا الموضوع التقت مجلة زهرة السوسن برئيس قسم الإعلام الإلكتروني في كلية الإعلام جامعة دمشق الأستاذ الدكتور أحمد علي الشعراوي.
اليوم الإعلام الإلكتروني ينافس بشدة وبقوة الوسائل الأخرى ،حيث باتت الصحافة المطبوعة مختفية بشكل تقريبي, لأنه قضى تماماً على دورها الإعلامي ،بحسب ما أفاد به الدكتور أحمد الشعرواي ،وقال : سوف أتحدث لماذا الإذاعة ،والتلفزيون لا تستطيع أن تجاري مميزات الإنترنت؟؟ ، وأن أول وأهم ما يميز إعلام الإنترنت هو" Online Journalism ",وهو إعلام فوري، وهو إعلام يبث 24 ساعة مباشرة، ولا يوجد تلفزيون في العالم يقوم بالبث المباشر على مدار ال 24 ساعة يومياً ،ولا حتى إذاعة ،ولا حتى صحيفة ورقية مطبوعة تصدر خلال الثواني. وتابع بالقول : اليوم الإعلام الإلكتروني ،هو إعلام غزير ومتدفق جداً ، وبالنسبة ليّ فأنا أطلق عليه تسمية" إعلام الإنترنت "، أو "إعلام عبر الإنترنت " ،لأن الإعلام الإلكتروني هو تسمية غير صحيحة، وذلك لأن التلفزيون والإذاعة يمثلان، الإعلام الإلكتروني، فإعلام الإنترنت ،هو سريع ومتطور جداً ومتحول ،فبعد دقيقة، ممكن أن يكون خطأ ،وبعد دقيقتين ممكن أن يصبح قديم جداً ،وبعد ثلاثة دقائق ممكن أن يكون طريقة خاطئة في التعاطي مع الإعلام ،لذلك فهو إعلام " Journalism " ،يضع الجمهور مباشرة أمام كم هائل من المعلومات، جمهور يستطيع أن يتعرض لما يريد في الوقت الذي يريد، دون أن يكون هناك أية حواجز، أو أية قيود.
وفي ذات السياق تحدث الدكتور الشعراوي قائلا: هذا الكلام له سلبيات، وله إيجابيات ،ولكن إيجابياته أكبر ،وانا قلت في رسالتي للدكتورة،" أن هذا الإعلام يجعل العالم كله بين يديك, سواءا كان لابتوب، أو موبايل متطور جداً ،" وأريد أن أذكر قول العالم الكندي "مارشال ماكلوهان": عندما قال "أن التلاقي بين شيئين عظيمين أدى إلى ولادة عالم إعلامي جديد ،وهو الإنترنت والتكنولوجيا" ، واليوم الصين أنتجت جهاز كمبيوتر يعمل بمعالج بسرعات عالية جداً ، فالتلاقي اليوم بين التطور التكنولوجي والإنترنت ،جعل العالم سريع جداً ومتطور جداً ، ومن لا يواكب هذا التطور يصبح خارج الزمن، فإذا كنا نتحدث عن النص فإن الإنترنت يقدم النص، وإذا كنا نتحدث عن الصوت فالإنترنت يقدم الصوت، وكذلك الصورة، فهو يختزل كل مميزات الوسائل السابقة بالإضافة ، وبالنسبة لنا كإعلام فهو عبارة عن شقين :
*الأول "Hypertext" وهو الإنتقال عبر الروابط من نص إلى نص.
*الثاني "Hypermedia "و هو الانتقال عبر الروابط من فديو إلى فديو ،أو من أوديو إلى أوديو.
فهذه المميزات جعلت إعلام الإنترنت في مكان لا يمكن أن تصل إليه الوسائل الأخرى.
الإعلام الحديث يستحوذ على دور الإعلام الآخر
وقال د.الشعراوي : لا يمكن لوسيلة إعلام أن تلغي الأخرى ، ولكنها تستحوذ على دورها وجمهورها، واليوم لا أحد يسافر إلى إيطاليا بالعربة، ولا أحد يسافر إلى الصين بالحصان ، وسائط النقل تتطور فتلغي الوسيلة الأخرى، ولكن لا تلغيها بالكامل فهي موجودة ، ولكنها تصبح خارج الزمن ،وقليلة الاستخدام، ويشكل "إعلام الإنترنت " سماء وأفق مفتوحة, فهو كالهواء لا يمكن أن يتم حجبه, ولا يمكن أن نقف بوجهه.
الوعي وفيما يتعلق بالجيل الشاب ولما نلحظه من حالة عدم إدراك لفت د.الشعراوي قائلا :" الحل الوحيد بالنسبة للشباب هو" الوعي" فالوعي هو المعيار والموجه، لنستطيع أن نجد أين هي إيجابيات الإنترنت ،ونعمل عليها ،وأين هي السلبيات ونبتعد عنها، فلنعلم وندرك أنه "إذا كانت الخدمة مجاناً فأعلم أنك سلعة "، ومن الناحية السياسية لماذا تقدم الولايات المتحدة الأمريكية الإنترنت كميزة مهمة جداً؟، ومميزاتها كبيرة ؟وبشكل شبه مجاني؟
الجواب معروف بهدف وغاية الوصول إلى عقول كافة فئات المجتمع، أيا كانت الوسيلة، فالتلفزيون والإذاعة يصلان إلى الأسرة ، واليوم الموبايل يصل إلى جميع العقول، و قد يؤدي إلى الإدمان عند البعض، فهذا الوصول يجب أن يكون واعي، وأريد أن أنوه أننا كنا مجتمع منغلق، واليوم عدم الوعي يؤدي إلى كوارث حقيقية، فمن الممكن أن يرتكبها أي شخص في المجتمع.
وتابع بالقول: أنه عندما يكون الموبايل في يد الأب ويقوم بالفتح على تطبيق اليوتيوب فأنه يتعرض لإعلانات تحاكي عقله،وهذا يختلف بالنسبة للأبن ،ومختلف تماما للفتاة أو الأنثى على العموم فعندما تقوم بحمل الموبايل، وفتح نفس التطبيق ،فأنها تتعرض لإعلانات مختلفة من الممكن أن تكون "إعلانات إباحية" ،لأن الكاميرة ترى من أمامها ،فتعطي مضمون مختلف، وهذا كله مبرمج عبر خوارزميات ، وأنا هنا لا أتحدث عن نظرية المؤامرة، أنا أتحدث بالعلم ،فالعلم يقول اليوم أن هذه الخدمة التي تقدم ليست مجانية بالمطلق ،وغايتها الوصول إلى العقول، و يجب أن تكون هذه العقول "نيرة وواعية " حتى تميز الرث من الثمين، وعلينا أن نكون على دراية تامة أين تكون مميزات الإنترنت الإيجابية ، ونحاول أن نستفيد منها قدر الإمكان.
الإنترنت سلاح ذو حدين
وفيما يتعلق بتوجه أغلبية شرائح المجمتع بالحصول على المعلومات من الإنترنت فقد أوضح د.الشعراوي بالقول : أن الاعتماد على مواقع التواصل الإجتماعي كبير حتى أثناء الحصول على المعلومة الطبية، وهناك دراسة تلقيت نسخة منها تقول : أن مواقع التواصل الإجتماعي هي مصدر من مصادر الحصول عليها، وهنا أقول: أن إعلام الإنترنت هو سلاح ذو حدين ، بكل معنى الكلمة، و ميزة مهمة ومفيدة جداً ، واليوم لا نستطيع أن نعيش دون إنترنت ،وبالنسبة ليّ فأفضل انقطاع الهواء، عوضاً عن انقطاع الإنترنت ،فهو مصدر أساسي للمعلومات ،فقد أصبحت استخدم الموبايل ،ولم أعد أتعرض للتلفزيون، ولا أملك الوقت لمتابعة وسائل أخرى واستخدامها، فقد منحني هذا الجهاز سهولة، وأصبح استخدامه سهل بأي وقت، وبأي لحظة، فانا لا أستطيع الجلوس أمام شاشة ،ولكن أستطيع وانا بمكتبي، أو بأي مكان أن أتعرض للمعلومات عن طريق الإنترنت ،واليوم أقول أن الكلمة الفيصل "سهولة التعرض للمعلومات عن طريق الإنترنت جعلته الوسيلة الأولى بدون منازع بين وسائل الإعلام ".
وبالنسبة للجيل الشاب فقد بين الشعراوي قائلاً: نحن نحتاج إلى قائد للرأي فهو الموجه، ونحتاج إلى توعية حقيقية، بحيث نستطيع الوصول إلى الأسر ، انطلاقاً من توعية الأم والأب ،والأبناء ، لأن الهدف الأساسي اليوم من مواقع التواصل الإجتماعي للأسف هو ضرب الخلية الأولى في المجتمع، و هي" الأسرة"، وأود أن أشير إلى أنه حتى في موضوع "المثلية" كان الهدف ضرب الأسرة ،والمساس بالحياة الطبيعية ،ويتوجب علينا الوعي والإدراك، ، فكيف يمكن أن نصل إلى عقول فئات المجمتع حتى يتم تنبيهها ، وكما لاحظنا منذ فترة زمنية ليست ببعيدة انتشرت عدة ألعاب منها قد يؤدي إلى إنتحار الأطفال مثل: ألعاب" الحوت الأزرق ومريم "فقد كان هدفها التحريض الطائفي ،و التدمير النفسي، فقد بات الشبان يعانون من الاغتراب ،يعيشون واقع افتراضي، وليس واقع حقيقي.
دور التوعية مفقود
وفيما يخص الإيجابيات والسلبيات وتأثيرها فقد قال الدكتور الشعرواي : لا يوجد حل سوى التوعية ،والدور مفقود تماماً ،واليوم لا أحد يقوم بهذا الدور ،لا المدرسة، ولا الجامعة، ،ولا المنظمات ،ولا الهيئات، ولا المؤسسات ،ولا حتى الآباء ،والامهات، لذلك نحن بخطر شديد حياله، وأي فرد يتعرض للإنترنت ،ولا يملك الوعي الكافي، فمن الممكن أن يرتكب جريمة إلكترونية ، أو أن يقع ضحية ابتزاز، واليوم يوجد عدة برمجيات من شأنها أن تدخل ثقافة الإنحطاط ،والتخلف ،وتغيب الشباب وفكرهم عن القيام بدورهم في المجتمع ، أي تدمير المدمر ،وتجزيء المجزء، وتقسيم المقسم.
الجرائم الإلكترونية
أما من حيث قانون الجرائم الإلكترونية فقد بين قائلا: يشكل الحماية الكاملة لهم، ومنذ فترة وجيزة أقمت ندوة عن مواقع التواصل الإجتماعي ،وصورة المرأة بالذات ،فاليوم المرأة تخضع للابتزاز ،ومن الممكن أن يتم تصميم وتطبيق صور لها عن طريق الذكاء الاصطناعي، وذلك نتيجه التخلف السائد في مجتمعنا، وأي أنثى لديها شعور الخوف من أن تتكلم بشكل عام،أو تتحدث أنها تتعرض للابتزاز، أو المضايقات، أو التهديدات ،فالمرأة ضعيفة لا تعلم حقوقها وواجباتها ،وقانون الجريمة الإلكترونية ،اليوم يحميها تماماً ، ويجب علينا ككل أن نعمم هذه الثقافة، وانا شخصياً تعرضت للابتزاز عن طريق الإنترنت ،واقمت دعوى، وكانت بقمة الاحترام والتعامل الإيجابي ،وتم طلب الشخص عن طريق الإنترنت ومعاقبته.
وأود توجيه نصيحة هامة لجيل الشاب ،وهي لا نملك إلا الوعي ،فلا تدع هذه التكنولوجيا الحديثة، أن تخرب عقولكم، ولا تدعوها تتحكم بكم، وتسوقكم كونوا أنتم القادة والموجهين ، ولا تجعلوا من الإنترنت وسيلة لتدمير فكركم ، أو إيقاعكم في المشكلات، أو لأن تكونوا ضحية للابتزاز أو التهديد ،كونوا دائماً أنتم الواعين، والمسيطرين على الجهاز، وليس الجهاز هو الذي يسيطر عليكم .
وختم الدكتور الشعراوي حديثه قائلا: أن إعلام الإنترنت يتسارع بشكل كبير جداً فإننا نتطور بالثواني ،فهو يسير بسرعة كبيرة جداً ،لا يمكن لأحد أن يتصورها ،فمثلا التلفزيون كنا في السابق كل شهر أو شهرين نرى فيه تطور ،أو حركة ،بينما اليوم إعلام الإنترنت يتطور بالثواني، و كل مواطن صحفي يوجد لديه إبداعات ،وتطورات وأفكار جديدة ،فهو متطور بشكل هائل، ولا يمكن لأحد أن يتوقع ماذا الذي سيحدث بعد ساعة.
ملك محمود